وقد دلت أخبار كثيرة على " أن الله - عز وجل - فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم، ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم. إنهم لم يؤتوا من قبل فريضة الله - عز وجل - ولكن أوتوا من منعهم حقهم لا مما فرض الله لهم " (1).
و " أن الله - عز وجل - فرض على الأغنياء في أموالهم ما يكفي للفقراء. فإن جاعوا أو عروا أو جهدوا فبمنع الأغنياء " (2).
فنفس هذه الروايات الدالة على حكمة الزكاة محكمات وميزان يوزن به الحق من أخبار الباب.
فالقول بأن الله - تعالى - جعل الزكاة - أعني العشر وربع العشر ونحوهما - في التسعة المعهودة فقط بشرائطها الخاصة للمصارف الثمانية بسعتها، وجعل الخمس في سبعة أمور منها المعادن بسعتها وأرباح المكاسب بشعبها للإمام ولفقراء بني هاشم فقط بالمناصفة، يستلزم القول بعدم إحاطة الله تعالى - نعوذ بالله - باعداد الناس وإحصائياتهم وحاجاتهم.
ولكن الإنصاف أن ما بيناه وإن كان موافقا للاعتبار ولكنه ليس في الحقيقة جمعا بين الأخبار بل طرحا لكثير منها فلابد لرفع المعضلة من ابداء فكر آخر، وهو أن أخبار التعميم مضافا إلى كونها أكثر وفيها الصحاح والحسان لما كانت موافقة لعمومات الكتاب، ولما دلت على مصالح التشريع وحكمه من سد جميع الخلات، تقدم على أخبار التخصيص بالتسعة، فتطرح أخبار الحصر أو تحمل على إرادة الأئمة (عليهم السلام) تضعيف الدول والحكومات الجائرة بسد منابعهم المالية، ولا نسلم كون الشهرة الفتوائية مرجحة مطلقا حتى مع وجود عمومات الكتاب ومع وضوح مبنى فتواهم.