الانبعاث والانطلاق والتصرفات الحرة، فليس للمكان وخصوصياته ووجود الإمكانات وعدمها دخل فيه.
وفي الخطط المقريزية: " الحبس الشرعي ليس هو السجن في مكان ضيق، وإنما هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه، سواء كان في بيت أو مسجد، أو كان يتولى نفس الخصم أو وكيله عليه وملازمته له. ولهذا سماه النبي (صلى الله عليه وآله) أسيرا... ومضت السنة في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي (رض) أنه لا يحبس على الديون ولكن يتلازم الخصمان...
وأما الحبس الذي هو الآن فإنه لا يجوز عند أحد من المسلمين. وذلك أنه يجمع الجمع الكثير في موضع يضيق عنهم، غير متمكنين من الوضوء والصلاة، وقد يرى بعضهم عورة بعض، ويؤذيهم الحر في الصيف والبرد في الشتاء، وربما يحبس أحدهم السنة وأكثر ولا جدة له وأن أصل حبسه على ضمان " (1).
أقول: ما ذكره كلام متين، لما عرفت من عدم دخل للمكان الخاص في صدق مفهوم الحبس وما هو المقصود منه. والحبس الرائج المتعارف في أعصارنا أكثر مصاديقه ظلم على الإنسان والإنسانية، ومخالف لموازين العقل والشرع.
ولا يخفى أن في حرية الشخص وانطلاقه وانبعاثه منافع لنفسه ولمن تعلق به، وربما توجد فيها أيضا خسارات. فيترتب عليها أثران متضادان:
فإن وقع الحبس بداعي المنع عن الأول كان من قبيل العقوبة والمجازاة حدا أو تعزيرا.
وإن وقع بداعي المنع عن الثاني فقط، لم يكن من هذا القبيل، بل كان من قبيل حفظ حقوق الناس ورفع الشر والظلم عنهم. ولعل أكثر موارد السجن في الشرائع الإلهية كانت من القسم الثاني.