وقال بعض العلماء موافقا لما ذكره الشيخ الرئيس: ومما يبطل هذا الرأي أنه يلزم تبدل جوهر النفس حين انتقالها من معقول إلى معقول آخر وليس كذلك فإن الجوهر الشاعر بذاته منا هو هو في كل حين قبل إدراك شيء ومعه وبعده.
وما يقولون إن الماء صار هواء والأبيض صار أسود معناه أن مادة الماء انسلخت عنها الصورة المائية وتصورت بصورة الهوائية والحامل لوصف الأبيضية زال عنه البياض وحصل فيه السواد والقابل في الحالين شيء واحد انتهى كلامه.
وستعلم جلية الحال وكنه المقال وتلخيص الصواب وتمييز القشر عن اللباب في مباحث النفس في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
وأما القول بارتسام صورة الأشياء في ذاته تعالى فتقريره على ما يستفاد من كتب مقدم المشائين أرسطاطاليس ووافقه كلام الشيخ الرئيس في أكثر كتبه هو أن الصورة العقلية قد يؤخذ عن الصورة الموجودة كما يستفاد من السماء بالرصد والحس صورتها المعقولة. وقد لا يكون الصورة المعقولة مأخوذة عن الموجودة بل ربما يكون الأمر بالعكس كصورة بيت أبدعها البناء أولا في ذهنه ثم يصير تلك الصورة المعقولة محركة لأعضائه إلى أن يوجدها فليست تلك الصورة وجدت فعقلت بل عقلت فوجدت.
إذا تمهد هذا فنقول: لما كانت نسبة جميع الأمور إلى الله تعالى كنسبة المصنوع إلى نفس الصانع لو كانت تامة الفاعلية فقياس عقل واجب الوجود للأشياء هو قياس أفكارنا للأمور التي نستنبطها ثم نوجدها من حيث إن المعقول منها سبب للوجود.
والفرق بأنا لكوننا ناقصين في الفاعلية نحتاج في أفاعيلنا الاختيارية إلى انبعاث شوق واستخدام قوة محركة واستعمال آلة تحريكية وانقياد مادة لقبول تلك الصورة.
والأول تعالى لكونه تام الفاعلية غنيا عما سواه لا يحتاج فاعليته إلى أمر خارج بل إنما أمره