الثاني أو بقي الأول ولم يحصل الثاني فما صار أحدهما الآخر وهذا ظاهر.
وأما على الوجه الذي سيقرع سمعك القول به في مباحث النفس فهو نمط حققته أنا وقد تفردت باستنباطه بناء على أصول مقررة عندي فهو نمط آخر من الكلام لا يصل إليه أفهام جماهير الأنام لأنه مرتقى عال ومقصد شريف غال ويحتاج دركه إلى فطرة ثانية بل ثالثة.
وشنع الشيخ على من ينسب إليه هذا القول قائلا في الإشارات: وكان لهم رجل يدعي بفرفوريوس عمل في العقل والمعقولات كتابا يثني عليه المشاؤون وهو حشف كله وهم يعلمون أنهم لا يفهمونه ولا فرفوريوس نفسه وقد ناقضه من أهل زمانه رجل ناقض هو ذلك المناقض بما هو أسقط من الأول.
وفي الشفا بعد ما أبطل القول بأن ذات النفس تصير هي المعقولات: إن أكثر ما هو بين الناس في هذا هو الذي صنف لهم إيساغوجي وكان حريصا على أن يتكلم بأقوال مخيلة صوفية ويقتصر منها لنفسه ولغيره على التخيل ويدل أهل التمييز في ذلك كتبه في العقل والمعقولات وكتبه في النفس انتهى.
ثم إنه قد رجع عن هذا الإنكار والتشنيع وأقام الحجة على ثبوت الاتحاد في كتاب المبدإ والمعاد. اعتذر بعض المحققين عن هذا التناقض في كلامه بأن غرضه في ذلك الكتاب تقرير المقاصد على طريقة أتباع المشائين دون ما هو الحق عنده وانعقد عليه رأيه.
وهذا عندي مستبعد جدا على ما هو عادة الشيخ ودأبه في الأقوال والآراء.
إذ قلما رأينا أن يحيد عن الحق الصريح إلى ما هو الباطل الصرف عنده في أشياء مهمة حكمية كمباحث العقل والمعقول فإن معرفتهما من المهمات العلمية.
ولا يبعد القول بأنه كان ممن وجد رائحة الصواب من القول باتحاد العقل والمعقول في إدراك العقل الهيولاني للمعقولات على حسب ما حققناه كما سيجيء في موضعه إن شاء الله تعالى.