وغاية شرفهم حيث لا يقع من جهاتهم الفعالة إلا عقول أخرى لا الأجسام إذ لا بد لصدور الأجسام من ظهور جهة إمكان ونقص في القاهر العقلي وإلى ما يصدر عنها الأجسام وهي العقول الواقعة في سلسلة العرض وهي أواخر السلاسل الطولية وهي أدون منزلة من القواهر الطولية ويسمى بأرباب الأصنام ولقلة شرفها وظهور إمكاناتها يصدر عنها الأجسام وهيئاتها المنوعة.
فكذلك النفوس على ضربين منها ما يتعلق بالأبدان المستحيلة الكائنة وينفعل عن هيئاتها وعوارضها المادية لكونها بالقوة لا يمكن أن يستكفي بذاتها ومنها ما لا يتعلق بالأبدان المستحيلة المادية بل الأبدان ينشأ منها ويوجد بتبعيتها من دون استعداد مادة وانفعال وتغير من حال إلى حال بل بمجرد جهة فاعلية في النفس مع حيثية إمكانها وقصورها عن درجة الكمال التام العقلي إذ لو بلغت إلى حد العقلي لم يتبعها تجسم وتكدر فهذا القسم من النفوس تجردت عن الحس دون الخيال ولو تجردت عن الخيال أيضا لكانت عقولا صرفة.
فالنفس عند تفردها عن البدن العنصري (سواء بالنوم أو بالموت) يصحبها القوة الخيالية ويلزمها البدن الناشي عن النفس القاهرة.
وهذا القسم من النفوس أقوى قوة من النفوس المنفعلة عن الأبدان وإن كانت العصاة والفسقة والكفرة منها معذبة بأنواع من العذاب الجسماني لأجل اكتسابها الملكات الردية والاعتقادات الفاسدة والآراء الردية في الله أو في صفاته أو في أفعاله وأحكامه مؤلمة لنفوس معتقديها ومعذبة لقلوبهم فإنها بالحقيقة نيرانات ملتهبة وحرقات مشتعلة ظهرت لهم من قلوبهم يوم القيامة كما قال الله تعالى: نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة وبإزاء هذه الاعتقادات الحقة في النفوس والآراء الفاضلة والأخلاق والملكات الحسنة كلها جنات وأنهار وطيور وأشجار وعيون جارية وسرر مرفوعة و حور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون