والمجادلة كأكثر المتكلمين الذين يخضعون في المعقولات وهم لا يعرفون المحسوسات ويتكلمون في الإلهيات وهم يجهلون الطبيعيات متعاطون البراهين والقياسات وهم لا يحسنون المنطق والرياضيات ولا يعرفون علم الأخلاق والسياسات ولا العلوم الدينية والشرعيات إلا مسائل خلافيات وحذليات.
وليس غرضهم فيها أيضا الوصول إلى الخلاق بتهذيب الأخلاق بل رجوع الخلائق إلى فتاويهم وأقضيتهم التي هي مادة النفاق.
وهؤلاء المجادلة مع كمال قصورهم وعجزهم عن إدراك هذه المسائل الحقيقية الدينية من أحوال المبدإ والمعاد التي بها يكمل الإنسان بحسب القوانين وبها يصل إلى سعادة النشأتين يعادون الحكمة والمعرفة ويخاصمون الحكماء والعرفاء.
وغاية تقويتهم الشريعة والدين وإعانتهم وإرشادهم المسلمين أن يقولوا إن الحكمة ضلال وإضلال وتعلمها بدعة ووبال وإن علم النجوم باطل وإن الكواكب كالجمادات وإن الأفلاك لا حياة لها ولا نطق ومثل قولهم إن الطب لا منفعة فيه وإن الهندسة لا حقيقة لها وإن علم المنطق والطبيعيات كفر وزندقة وأهلها ملحدون وكفرة إلى غير ذلك من مقالاتهم وهوساتهم المشحونة بالتدليس والتلبيس التي غرضهم فيها صرف قلوب الناس عن الاشتغال بتحصيل الكمال وطلب الآخرة بالزهد الحقيقي وعدم الرغبة إلى الجهال والأرذال وابتغاء معرفة الحق العزيز المتعال بكسب العلم الحقيقي والحال لا بمزاولة القيل والقال.
ومنها لزوم مفسدة التناسخ كما مر ذكره وهذه أيضا شبهة صعبة الزوال وعقدة عسر الانحلال والجواب الذي ذكروا في دفعها في غاية الضعف والقصور لا يمكن الاكتفاء بها في تحقيق الحق اللهم إلا بمجادلة الخصوم وغاية ما تكلفه بعض الأعلام من الكرام في رسالته التي لفقها في تحقيق المعاد وهو أن للروح الإلهي الذي هو النفس الناطقة الفاعلة المتصرفة المدركة في البدن والأعضاء والقوى لأنها آلات لها ضربين من التعلق بهذا البدن العنصري.