جزاء بما كانوا يعملون فإن الملكات والأخلاق المكتسبة من الأعمال والأفعال يتبعها في الآخرة تلك الصور والأشجار والأجسام إما حسنة ملذة منعمة من الجنة والرضوان وإما قبيحة مؤلمة معذبة من الجحيم والغضبان.
فإذا تمهد هذه الأصول والمقدمات مع تتبع الأحاديث وتدبر الآيات تحقق وتيقن وانكشف وتبين أن المعاد في المعاد هو مجموع النفس بعينها وشخصها والبدن بعينه وشخصه دون بدن آخر عنصري كما ذهب إليه الغزالي أو مثالي كما ذهب إليه الإشراقيون.
وهذا هو الاعتقاد الصحيح المطابق للعقل والشرع الموافق للملة والحكمة فمن صدق وآمن في المعاد بهذا فقد آمن بيوم الحساب والجزاء وقد أصبح مؤمنا حقا والنقصان عن هذا الإيمان خذلان بل كفر وعصيان.
وبما حققناه من المقدمات والأصول اندفع شبهة الجاحدين للحق والمنكرين للمعاد الجسماني.
منها أنه إذا صار إنسان معين غذاء لإنسان آخر فالأجزاء المأكولة إما أن يعاد في بدن الآكل أو في بدن المأكول وأيا ما كان لا يكون أحدهما بعينه معادا بتمامه.
وأيضا إذا كان الآكل كافرا والمأكول مؤمنا يلزم تعذيب المطيع وتنعيم المعاصي أو يلزم أن يكون الآكل كافرا معذبا والمأكول مؤمنا منعما مع كونهما جسما واحدا.
واندفاعه على ما مهدنا من الأصول بعد فهمها وتحقيقها بأن العبرة في تشخص كل إنسان إنما هو بنفسه وأما بدنه من حيث هو بدنه فليس له تشخص إلا بالنفس بل ليس له من هذه الحيثية حقيقة ولا ذات حتى يكون له في ذاته تعين بهذا الاعتبار وتوحد إلا بحسب ما يتصرف فيه أي نفسه وليس من شرط كون بدن زيد محشورا مثلا أن يكون الجسم الذي صار مأكولا لسبع أو إنسان من حيث هو جسم معين له حقيقة لحمية أو عظيمة أو عصبية يحشر يوم القيامة أي بهذا الاعتبار بل المحشور ليس إلا بدن زيد أي جسم يكون بعد ما انحفظت شخصيته بأنه بدن زيد وإن تبدلت جميع أجرائه في