وأقل تجوهرا عند من غلب عليه قوة الإحساس من الصور الحسية والخيالية جميعا بهذا القياس الذي علمت مع أن البرهان قائم على أنها أقوى الجواهر وأوضحها وجودا أو أشدها نورية وأكثرها آثارا وأصدقها تحققا.
والحاصل أن مناط كون الصورة عينية وذهنية هو ما ذكرنا من أن الإنسان بقوته الدراكة إذا أدرك صورة من صور العالم الذي يكون فيه يكون إدراكه إياها على سبيل المشاهدة والمعاينة ويثق بوجودها ويتلذذ بها إن كان ملائما ويتنفر إن كان منافرا لمناسبتها إياه في نحو الوجود ويحكم بأنها موجودة خارجية عينية قوية.
وإذا أدرك صورة من صور العالم الذي لم يقع بعد فيه ولم يغلب نشأته عليه يكون إدراكه إياها على سبيل التخيل ولا يثق بوجودها ولا يتلذذ ولا يتألم بها لعدم وقوعها معه في عالم واحد فيحكم بأنها موجودة ذهنية غيبية لا شهادية ضعيفة سواء كانت في نفسها قوية أو ضعيفة.
الأصل السادس أن الله تعالى قد خلق النفس الإنسانية بحيث يكون لها اقتدار على إبداع الصور الباطنية الغائبة عن الحواس وكل صورة صادرة عن الفاعل فلها حصول له بل حصولها في نفسه هو عين حصولها لفاعلها وليس من شرط حصول شيء لشيء أن يكون حالا فيه وصفا له بل ربما يكون الشيء حاصلا لشيء من دون قيامه به بنحو الحلول والاتصاف كما أن صور جميع الموجودات حاصلة للباري تعالى حصولا أشد من حصولها لنفسها ولقابلها كما علمت في مباحث العلم أن قيام الصورة بالباري ليس قياما حلوليا ناعتيا وكل صورة حاصلة لموجود مجرد عن المادة بأي نحو كان فهي مناط عالمية ذلك المجرد بها.
فالنفس الإنسانية في ذاتها عالم خاص بها من الجواهر والأعراض المفارقة والمادية والأفلاك المتحركة والساكنة والعناصر والمركبات وسائر الخلائق يشاهدها بنفس حصولاتها لها لا بحصولات أخرى وإلا يتسلسل فعلمه بها بعينه قدرتها عليه وذلك لأن الباري تعالى خلاق الموجودات المبدعة والكائنة