وخلق النفس الإنسانية مثالا لذاته وصفاته وأفعاله فإنه منزه عن المثل والشبه لا عن المثال فخلق النفس مثالا له ذاتا وصفاتا وأفعالا ليكون معرفتها مرقاة لمعرفته كما وقع في الحديث المشهور فجعل ذاتها مجردة عن الأكوان والأحياز والجهات وصيرها ذات قدرة وعلم وإرادة وحياة وسمع وبصر وجعلها ذات مملكة شبيهة بمملكة باريها يخلق ما يشاء ويختار ما يريد في عالمها إلا أنها وإن كانت النفس كذلك لكنها لضعف وجودها في الحياة الدنياوية ما يترتب عليها ويوجد من تصورها من الأفعال والآثار الخاصة أعني الصور الإدراكية يكون في غاية ضعف الوجود بل وجود ما يوجد عنها بذاتها وهي في هذا العالم من الصور العقلية أو الخيالية أظلال وأشباح للموجودات المتأصلة الصادرة عن الباري وإن كانت الماهية محفوظة في أنحاء الوجود فلا يترتب على ما يتصوره الآن ما يترتب بحسب الوجود الحسي الخارجي والعقلي الخارجي اللهم إلا لبعض المتجردين عن جلباب البشرية ومشوشات ما يورده الحواس من أصحاب المعارج فإنهم لشدة اتصالهم بعالم القدس ومحل الكرامة وكمال قوتهم وسعة وجودهم الوافي بحفظ الجوانب وعدم اشتغالهم بشأن من الشؤون عن شأن آخر يقتدرون على إيجاد صورة موجودة يترتب عليها الآثار ويستلذ بها في هذا الدار أو في عالم آخر لمن يكون له حاسة يصلح لمشاهدة الأمور الأخروية ومعاينة الأسرار.
وقد مر أن الوجود للشيء الذي لا يترتب عليه الآثار وهو الصادر عن النفس حين اشتغالها بعالم الحواس يسمى بالوجود الذهني والظلي والوجود المترتب عليه الآثار يسمى بالخارجي والعيني.
ومما يؤيد ما ذكرنا ما قاله الشيخ الجليل محيي الدين الأعرابي في كتاب الفصوص أنه بالوهم يخلق كل إنسان في قوة خياله ما لا وجود له إلا فيها وهذا هو الأمر العالم لكل إنسان والعارف يخلق بالهمة ما يكون له وجود من خارج محل الهمة ولكن لا يزال الهمة بحفظه ولا يؤودها حفظ ما خلقته فمتى طرأ على العارف غفلة عن حفظ ما خلق عدم ذلك المخلوق إلا أن يكون العارف قد ضبط