هيولى الأرض هي قوة قابلة محضة لا مقدار لها في نفسها بل المقادير مما يعرض لها من خارج وهي في نفسها قابلة للانقسامات وحصول المقادير الغير المتناهية وليس أيضا من شرطها أن يكون صورتها هذه الصورة الأرضية بل يجوز انقلابها من الأرضية إلى أجسام آخر قابل للتخلخل والتعدد أيما فرض على ذلك قد علمت من الأصول أن الإنسان الأخروي ينشأ منه الجسمية بحسب نفسه وصفات نفسه لا أنه يحدث وينشأ هي من الجسم كما في الدنيا لما بينا أن الأبدان الأخروية يحصل من الجهات الفاعلية لا من الجهات القابلية.
وليعلم أيضا أن الازدحام والتصادم والتضايق هو من خواص الأجسام الدنياوية وليس في الأجسام الآخرة ازدحام وتصادم فإن كل واحد من أهل السعادة له جنة عرضها كعرض السماوات والأرض من غير أن يزاحم شيئا من الأفلاك والعناصر والأركان أو يضيق بسبب وجودها الحيز والمكان.
ولغفلة الناس من الأصول المذكورة صاروا يتعجبون من كون الجنة والنار إذا كانتا موجودتين جسمانيتين فأين وجودهما في العالم وفي أي جهة كانتا إما أن يكونا فوق محدد الجهات فيلزم أن يكون في اللامكان مكان وفي اللاجهة جهة.
وإما أن يكونا في داخل طبقات السماوات والأرض أو ما بين طبقة وطبقة فيلزم إما التداخل أو الانفراج بين سماء وسماء والكل مستحيل ومع هذا تنافي قوله تعالى عرضها كعرض السماء و الأرض فالمتكلمون حيث لم يدخلوا البيوت من أبوابها ليس في وسعهم التفصي عن أمثال هذا الإشكال فيجيبون عنه تارة بتجويز الخلاء وتارة بعدم الجنة والنار مخلوقتين بعد وتارة بانفتاق السماوات بقدر يسع بينها الجنة.
وأكثر الناس يأبون أن يعترفوا بالعجز والقصور ويقولوا لا ندري. الله ورسوله أعلم.
فالمتكلمون حيث لم يدخلوا البيوت من أبوابها ليس في وسعهم التفصي عن أمثال هذا الإشكال ومع هذا فأحسن أحوالهم أن يكتفوا بمجرد التقليد في هذا المطالب ولم يتصدوا للبحث