بينوا وقرروا أنها دفع الآلام وألفوا في هذا كتبا ورسائل فلزم أن يولمه أولا حتى يوصل إليه لذة حسية وذلك أيضا لا يليق بالحكيم. وهل يليق بالحكيم العادل أن يولم أولا أحدا ليدفع عنه هذا الألم ومن ذا الذي يرى إحسانا بأحد فيقطع بعض أعضائه ثم يضع عليه المراهم ليلتذ.
الأشاعرة أجابوا عن هذا بمنع لزوم الغرض وقبح الخلو عنه ثم منع انحصار الغرض في إيصال اللذة والألم ثم منع كون اللذة دفعا للألم ثم منع كون اللذات الأخروية كالدنيوية حتى يستلزم كونها أيضا دفعا للألم.
أقول: يمكن إثبات هذه المقدمات المنوعة ودفع هذا الممنوع بوجه لائق هو أليق وهو أن الغرض في المعاد نيل الجزاء وظهور صدق الأنبياء.
وقد عرفت الفرق بين الغرض والضروري وإيصال اللذة والألم كليهما جزاء وغرض ولا يلزم أن يكون إيصال اللذة بالإيلام أولا بل اللذات والآلام مما كسبته واكتسبته أيدي النفوس إرادة وعادة.
وتوضيحه أنا نختار أن الغرض والغاية إيلام العصاة والأشقياء جزاء أعمالهم القبيحة وتنعيم السعداء وإلذاذهم جزاء أعمالهم الحسنة ولما كان المعاد في المعاد هو هذا البدن الذي كان في هذه النشأة كانت لوازمه في النشأة الآخرة كلوازمه في النشأة الأولى فإنه كما يجوع في هذه النشأة بلوازم بدنه ومزاجه من جهة حركات نفسانية وتخيلات حتى أنه لو غفلت نفس أحد عن الأكل والشرب لأجل استغراقه في تخيل أمر عظيم ملذ قوي أو مولم شديد أو اشتغاله بمرض صعب يمضي عليه أيام لا يأكل ولا يشرب ولا يريدهما كذلك في النشأة الآخرة يجوع بلوازم أمور بدنه ومشتهيات نفسه فيأكل ما يريده ويشتهيه الأنفس ويجوز أن يتأخر التنعيم والإلذاذ عن الألم والمشقة فإذا حصل لزاهد ألم الجوع في هذه النشأة لزهده في صومه ومشقة ترك مشتهياته من الشهوات اللذيذة التي يشتاق إليه بحسب طبعه ويهواها وكان يكف عنها ونهى النفس عن الهوى خوفا من الله فلا ضير أن يطعمه الله في نشأة أخرى بعد مدة أطعمة وملاذا يدفع بها الألم الحاصل له بزيادة ويترتب على تشوقه وتخيله غاية