الظاهرية ومشاعرنا المادية يسمى بعالم الغيب كما يسمى هذا العالم بعالم الشهادة وهما جنسان متباينان بحسب الذات والوضع جميعا على الإطلاق لا يمكن أن يقال لواحد منهما أين هو من الآخر كما لا يمكن أن يقال أين النفس من البدن والعقل من المادة والباري من الكل لأن كلا من المختلفين حقيقة وذاتا لا وضع له بالقياس إلى الآخر وكما أن الصور المحسوسة موجودة في عالمها حاضرة للقوى المدركة لها ومن جنسها أيضا.
ولا فرق بين الصور التي يراها الإنسان بمشاعره الباطنة والصور التي يدركها بالحواس الظاهرة إلا بعدم ثباتها وضعف وجودها حيث لا يترتب عليها آثار حقيقتها وموجوديتها كما يترتب على هذه الحسيات. وذلك لاشتغال النفس بما يورده الحواس عليها من آثار هذا العالم ولضعف الهمة حتى لو فرض أين يرتفع عن النفس الاشتغال بأفاعيل سائر القوى المحركة والمدركة ويزول عنها انفعالات الحواس الظاهرة ويكون قواها منحصرة في الخيال والتصور بكون الصور والأجسام التي يتصورها بقوتها الخيالية ويشاهد بباصرتها الباطنة في غاية ما فيها من القوام وقوة الوجود ويكون هي أقوى من المحسوسات وكما يكون حينئذ تلك القوة هي بعينها عينا باصرة للنفس يكون قوة فعالة لها فيصير قوة واحدة فاعلة ومدركة ويكون من مشاهدة النفس عين قدرتها. كما أن الواجب تعالى علمه بالأشياء الذي يرجع إلى بصره عين قدرته عليها كما هو مذهب الإشراقيين والجميع عين ذاته تعالى وليعلم أن النفس باعتبار كل قوة من قواها الإدراكية من العاقلة والمصورة والحاسة يقع في عالم آخر فباعتبار كل قوة للمعقولات الكلية يكون في عالم العقول الذي هو فوق العوالم وباعتبار إدراكها المحسوسات يكون في عالم الأجرام والمواد الذي هو تحت العوالم وباعتبار إدراكها للمثل الخيالية يكون في عالم بين العالمين. ومما يجب أن يعلم أن أهل كل عالم من العوالم إنما يدرك الموجودات التي فيه على سبيل المشاهدة والعيان ويدرك الصور التي هي في أحد العالمين الآخرين على سبيل الحكاية