ومما يؤيد ذلك أن المدرك بجميع الإدراكات والفاعل بجميع الأفاعيل الواقعة من الإنسان هو نفسه الناطقة النازلة إلى مرتبة الحواس والآلات والأعضاء والصاعدة إلى مرتبة العقل المستفاد والعقل الفعال في آن واحد وذلك لسعة وجودها وبسط جوهريتها وانتشار نورها في الأكناف والأطراف بل بتطور ذاتها بالشؤون والأطوار وتجليها على الأعضاء والأرواح وتحليها بحلية الأجسام والأشباح مع كونها من سنخ الأنوار ومعدن الأسرار.
فمن هذا الأصل تبين وتحقق ما ادعيناه من كون شيء واحد تارة محتاجا في وجوده إلى عوارض مادية ولواحق جسمية وذلك لضعف وجوده ونقص تجوهره وتارة ينفرد بذاته ويتخلص بوجوده وذلك لاستكمال ذاته وتقوي إنيته.
وما اشتهر من متقدمي المشائين أن شيئا واحدا لا يكون له إلا أحد نحوي الوجود الرابطي والاستقلالي غير مبرهن عليه بل الحق خلافه.
نعم لو أريد منه أن الوجود الواحد من جهة واحدة يكون ناعتيا وغير ناعتي لكان صحيحا.
الأصل الخامس أن الصور والمقادير والأشكال والهيئات كما يحصل من القابل بالجهات القابلية على سبيل الاستعداد والحركات والانفعالات كذلك قد يحصل من الجهات الفاعلية والحيثيات الإدراكية من غير مشاركة مادة عنصرية.
ووجود الأفلاك والكواكب من المبادي الفعالة من هذا القبيل حيث وجدت منها على سبيل الإبداع من محض تصورات المبادي كيفية وجودها بلا مشاركة المواد إذ لا مادة قبل وجودها. ومن هذا القبيل الصور الخيالية الصادرة عن النفس بقوتها الخيالية من الأشكال العظام والأجسام التي هي أعظم من الأفلاك الكلية بكثير والبلاد العظيمة مع أشخاصها والصحاري الواسعة والجبال الشاهقة فإنها ليست قائمة بالجرم الدماغي ولا موجودة في القوة الخيالية كما برهن عليه ولا في عالم المثال الكلي كما بيناه بل في عالم النفس وصقع منها خارج عن أجسام هذا العالم الهيولاني.
ولا شبهة في أن الصور التي يتصورها النفس بقوتها المصورة ويراها بباصرة الخيالية لها وجود لا في هذا العالم وإلا لرآها كل سليم الحس الظاهري بل في عالم آخر غائب عن حواسنا