الذي هو بما هو بدن مادة لنفسه إذ النفس ما دامت يكون ناقصة الجوهر ضعيفة الوجود يحتاج إلى مقارنة البدن العنصري لأن وجودها كوجود الأعراض يكون في محل إلا أن محل الأعراض لا يحتاج في كماله الأول إليها بخلاف النفوس والصور فإنهما كما يحتاج إلى المادة تحتاج المادة إليها أيضا على الوجه الدائر دورا غير ممتنع لاختلاف جهة الاحتياج ففساد كل من النفس والبدن من حيث هما نفس وبدن أي صورة ومادة يحصل منهما نوع طبيعي كالإنسان يوجب فسادا للآخر نعم لما جاز أن يكون للنفوس البشرية نحو آخر من الوجود غير وجودها البدني العنصري ففسادها من حيث كونها صورة ونفسا لا يوجب فسادها مطلقا ومن حيث كونها ذاتا مستقلة مباينة للبدن وقواه.
إذا تمهدت هذه المقدمة نقول: ما من نفس إنسانية إلا ولها وجود استقلالي بعد بوار هذا البدن ولها بحسب ما لها من الأفعال والأعمال نوع فعلية وتحصل في الوجود وهيئات خلقية حاصلة لها بالفعل سواء كانت تلك الأخلاق والهيئات التي يوجب فعلية ذاتها وتحصل وجودها أوصافا ملكية أو شيطانية أو سبعية أو بهيمية فإذا خرجت النفس الإنسانية في مدة كونها العنصري وحياتها الطبيعي ونشئاتها الدنياوية من القوة التي كانت لها في أول الفطرة وصارت بالفعل بحسب ما حصل لها من الأخلاق والملكات منخرطة في سلك أنواع شيء من هذه الأجناس الأربعة التي تحت كل جنس منها أنواع كثيرة كل منها مشتملة على أشخاص غير محصورة في عدد معين فصارت صورة بلا مادة بوجه وفعلية بلا قوة أصلا سواء كانت سعيدة أو شقية منعمة بلوازم أخلاق الشريفة وأعمالها الحسنة أو معذبة بنتائج أخلاقها الخسيسة وأفعالها القبيحة.
وأما الأبدان الأخروية المناسبة لأخلاق النفوس وملكاتها فهي ليست مواد لتلك النفوس حاملة لقوة كمالاتها وهيئاتها بل هي أشباح ظلالية وأظلال مثالية حاصلة من تلك النفوس بمجرد جهات فاعلية بلا مدخلية الجهات القابلية.
وكلما يحصل من الجهة الفاعلية الصرفة والهيئات الصورية المختصة بلا مدخلية القوى المنفعلة والهيئات الاستعدادية فهو لا يكون مادة ولا بدنا بما هو بدن بل وجوده كوجود