قوله تعالى: يا ليتني كنت ترابا مجرد تمني أمر مستحيل كما مر والمحال غير مقدور عليه. وبالجملة للنفس الإنسانية نشأت ثلاث إدراكية:
النشأة الأولى هي الحسية ومظهرها الحواس الخمس الظاهرة ويقال لها الدنيا لدنوها ولتقدمها على الأخيرتين وخيراتها وشرورها معلومة لا يحتاج إلى البيان.
والنشأة الثانية هي المثالية ومظهرها الحواس الباطنة ويقال لها الآخرة والعاقبة لما علمت بالمقايسة إلى الأولى و لقد علمتم النشأة الأولى فلو لا تذكرون وينقسم إلى الجنة وهي دار السعداء والجحيم وهي دار الأشقياء ومبادي السعادات والشقاوات فيهما هي الأخلاق والأوصاف الفاضلة والرذيلة.
والنشأة الثالثة هي العقلية ومظهرها القوة العاقلة من الإنسان إذا صارت عقلا بالفعل وهي لا يكون إلا خيرا محضا ونورا صرفا فالنشأة الأولى دار القوة والاستعداد والمزرعة لبذور النفوس والنيات والآخرتان المثالية والعقلية كل منهما دار التمام والفعلية وتحصيل الثمرات وحصد المزروعات فلما لم يكن النفس ذات قوة صرفة ساذجة من النقوش والأوصاف والملكات إلا في أول كونها ومبدأ فطرتها قبل أن يخرج من فطرتها الأصلية إلى فعلية الآراء والملكات والأخلاق فلا يمكن أن يتكرر لها الهيولانية والقوة الساذجة بحسب فطرة ثانية وتكون آخر حين تعلقها بمادة أخرى حيوانية لأن عروض هذه الحالة الهيولانية لا يمكن إلا بانخلاعها عن جملة الأوصاف والملكات.
وهذا مع استحالته يناقض مذهبهم من أن انتقال النفوس إلى الأبدان الحيوانية بواسطة ثبوت الأخلاق والملكات الردية فيها.