وأما الحجة الخاصة بإبطال النقل في جهة الصعود فهي أن الحيوان الصامت إن لم يكن نفسه مجردة بل جرمانية فيستحيل عليها الانتقال من بدن إلى بدن لكونها جوهرا ناعتيا وإن كانت مجردة فمن أين يحصل لها الكمال والترقي إلى مرتبة الإنسانية وليست لها من الآلات والقوى إلا ما هي مبادي الآثار الهيولانية والعلائق الأرضية من الشهوة والانتقام اللذين هما أصلان عظيمان للتجرم والإخلاد إلى الأجساد كيف وشئ منهما إذا غلب على الإنسان الذي هو أشرف أنواع العائدات من الكائنات يقتضي أن ينحط درجته إلى نوع نازل من الحيوان المناسب لذلك الخلق سواء كان في هذه النشأة الدنياوية لو كان النقل حقا على ما زعمه الذاهبون إليه أو في النشأة الآخرة كما رآه آخرون وهو الحق عند أهل الله من بطلان النقل فإذا كان مقتضى الشهوة الغالبة والغضب الغالب شقاوة النفس الإنسانية ونزول مرتبتها إلى مراتب الحيوانات العجم التي كمالها في وجود أحد هاتين الصفتين فيها لا غير فيمتنع أن يكون وجود أحد هاتين الصفتين منشأ ارتقائها إلى مرتبة الإنسان.
وأما ما قيل: من أن في الحيوانات شيئا ثابتا في تمام عمرها ولا شيء من أعضاء بدنها إلا وللتحلل فيه لأجل الحرارة الغريزية والغريبة الداخلة والخارجة من الهواء المحيط به سبيل ولو يسيرا يسيرا ولا لأحد أن يقول: فرسية هذه الفرس ونفسه دائما في الانتقال ولها إدراكات كلية لأنا قد نرى أنه إذا ضرب واحد منها بخشبة ثم بعد حين جررت له خشبة يهرب ولو لا أنه بقي في ذهنه معنى كلي مطابق لضرب من ذلك النوع لم يهرب ولما امتنع إعادة عين الضرب الماضي بل العائد مثله لا عينه فإدراكه ليس بالمعنى الجزئي.
ثم قد نرى هذه الحيوانات مع اشتراكها في الحيوانية مختلفة في قربها إلى العالم الإنساني وبعدها حتى أن بعضها في غاية القرب من أفق الإنسان كالقردة في الأفعال والطوطي في الأقوال ففي بعضها ضرب من القوة العملية وفي