من الحيوانات البحرية كالحيتان ونحوها أو الحشرات الأرضية كالدود وأمثالها ولا استبعاد في أن يكون لكل قوم من أرباب الصناعات الدنياوية أمة من الصوامت البحرية والبرية تشبههم خلقا وعيشة كالجند من الأتراك الذي يشبه خلقهم وعيشهم أخلاق السباع وعيشها فلا جرم بعد موت ذلك القوم تنتقل نفوسهم إلى أعظم نوع من السبع ثم إلى الأوسط على المراتب الكثيرة ثم إلى الأصغر في أحقاب كثيرة وأزمنة متطاولة إلى أن يزول عنها تلك الهيئة الردية فحينئذ يترقى إلى عالم الجنان كما مر.
وأقول: العمدة في بطلان التناسخ على جهة النزول هي ملاحظة أن الصورة في كل مركب عنصري أو فلكي يقوم المادة وأن المادة فيه تعين الصورة وتخصصها بل نقول: بين كل صورة سواء كانت نفسا أو غير نفس وبين مادتها سواء كان بدنا أو غيره نوع اتحاد لا يمكن زوال أحدهما وبقاء الآخر بما هما صورة ومادة فإن نسبة المادة إلى الصورة نسبة النفس إلى التمام.
وهذا ما برهن عليه بالبينات البرهانية والتعليمات الإلهية فوجود كل مادة بما هي مادة إنما هو بصورتها التي بها يخرج من القوة إلى الفعل وهذية كل صورة بما هي صورة إنما هي بمادته التي هي قابلة لتشخصاتها ولوازمها وعوارضها فإذا تكونت مادة من المواد تكونت معها صورتها التي يكون من سنخها وإذا فسدت فسدت صورتها لما علمت أن الصورة ليست إلا تمام المادة وكمالها فوجود الشيء الناقص من حيث هو ناقص مستحيل وكذا كمال الشيء بما هو كماله إذا فسد فسد ذلك الشيء نعم ربما يكون للصورة لا بما هي صورة لشيء بل باعتبار كونها ذاتا مستقلة حاصلة لذاتها وجود آخر وربما يكون لمادة الشيء (لا بما هي مادة له) تقوم بصورة أخرى يوجد معها ويتحد بها نحوا من الاتحاد لأن حقيقة المادة حقيقة جنسية من شأنها الاتحاد بمبادي فصول متخالفة هي صور نوعية فكما أن كل حصة من الجنس إذا عدمت عدم معها الفصل المحصل لها وإذا عدم الفصل عدمت تلك الحصة الجنسية التي يتحد معها ويتقوم بها نوعا فكذلك حال كل نفس ونسبتها إلى البدن الخاص بها في الملازمة بينهما في الكون والفساد فإن النفس من حيث هي نفس هي بعينها صورة نوعية للبدن