أموات أهل الحرص منهم في ذلك اليوم وقد يكون الفاسدات أكثر كما في الوباء العام والطوفان الشامل.
وأجيب عنه بأنا لا نسلم أن الكائنات أكثر من الفاسدات وإنما يلزم ذلك لو كان تولد كل نمل في يوم بانتقال نفس حريص إليه مات في ذلك اليوم وهو غير لازم لجواز أن يكون بانتقال نفس حريص مات في ألوف من السنين وقد فارقت أبدانا كثيرة إلى أن وصلت إلى هذه النملة فإن نفس الحريص لا يلحق البنية النملية عند الموتة الأولى بل بعد موتات كثيرة فإن من فيه هيئة ردية يتعلق بعد المفارقة بأعظم بدن حيواني يناسب أقوى تلك الهيئات ثم ينزل على الترتيب من الأكبر إلى الأوسط ومنه إلى الأصغر إلى أن يزول تلك الهيئة الردية ثم يتعلق بأعظم بدن حيواني يناسب الهيئة التي تلي الهيئة الأولى في القوة متدرجا في النزول إلى أن تبقى تلك الهيئات وحينئذ يفارق عالم الكون والفساد ويتعلق بأول منازل الجنان لزوال العلائق البدنية الظلمانية والهيئات الردية الجسمانية.
ولا نسلم أيضا أن الفاسدات قد يكون أكثر من الكائنات وإنما يلزم ذلك لو جاز أن يرتقي من أبدان سائر الحيوانات إلى الإنسان شيء من نفوسها ليلزم صعوبة انطباق العدد الكثير من أبدان حيوانات كثيرة الأعداد قصيرة الأعمار كأبدان الذباب والبق والبعوض وأمثالها وسائر الحشرات وأمثالها إذ بأقل حرارة أو برودة أو ريح يموت ويفسد من كل واحد من هذه الحشرات في ساعة ما لا يتكون من الإنسان في ألوف من السنين.
لا يقال: قد يحصل وباء عام أو طوفان كلي يهلك كل ذي نفس فيلزم زيادة الفاسد على الكائن ضرورة.
لأنا نقول: هذا غير معلوم الوقوع فإن الوباء العام لجميع أصناف الحيوانات الشامل لجميع النواحي بحيث لا يبقى حيوان أصلا غير متيقن والمتيقن وجود الوباء في بعض نواحي الأرض دون غيرها وكذا الكلام في الطوفان إذ لا يلزم منه أيضا أن الفاسد من الإنسان أكثر من الكائن من الحيوان لجواز أن يكون بإزاء ما فسد منه كائنات