الأفلاك لا تخيلات تلك النفوس فكيف يجوز أن يكون الجرم الفلكي موضوعا لتخيلات نفس إنساني سواء كانت سعيدة أو شقية.
ثم إن ما به يتعذب الأشقياء على ما اعترفوا به هي هيئاتهم الردية وتخيلاتهم النفسانية الباطلة وعقائدهم الوهمانية الخبيثة الفاسدة دون الصور المطابقة لما هو الواقع لأن الكائن في القابل الذي في غاية الخلوص والنقاء كالأجرام العلوية من الفاعل الذي في غاية الشرف والتقدس والبهاء كالمبادي العقلية لا يكون إلا صورا علمية حقة مطابقة لما في نفس الأمر فلا يستقيم بذلك ما قالوه ولا يستتم به ما صوروه من كونها مما يتعذب به الأشقياء.
وكما أن هذا في الجرم الفلكي غير صحيح كذلك من الإبداعي الغير المنخرق المنحصر نوعه في شخصه غير صحيح بل هذا الجرم أيضا على ما صوروه طبيعة خامسة فلكية وإن كانت تحت القمر للزوم كونه عديم الحركة الغير المستديرة دائما وسائر ما يلزمه من صفات الأفلاك.
ولعل عدد نفوس الأشقياء غير متناهية فكيف يكون جرم متناه موضوعا لتصرفاتها وصورها الإدراكية الغير المتناهية ولا أقل من أن يكون ذا قوة غير متناهية إذ لا بد أن يكون بإزاء كل ارتسام لصورة في جسم قوة واستعداد في ذلك الجسم وذلك معلوم الفساد بل الحق ما حققناه من أن الصور الملذة والموذية في النشأة الثانية للسعداء والأشقياء كما وعدها الشريعة الحقة النبوية ع هي واقعة في صقع آخر مثالي مظاهرها نفوس هاتين الطائفتين بضرب من الفعل والتأثير كما أن الصور يقع في المرائي بضرب من القبول ولا منافاة بين صدور الفعل من قوة بجهة وانفعالها عنه لذة كان أو ألما بجهة أخرى كما أن الصحة والمرض البدنيين ينشئان من النفس في هذه الدار بواسطة ما سبق منها من أفعال تصلح المزاج أو لا تصلحه من الأكل وغيره ثم ينفعل النفس منهما ويكون من أحدهما في راحة ومن الآخر في مشقة وذلك لكون النفس ذا جهتين فعل وقوة وكمال ونقص يفعل بأحدهما وينفعل بالآخر فهكذا يكون