بعضها إلى بعض كما يرجع تخيله إلى بصره الباطنة وكذا يرجع قدرته إلى إدراكه بل هذه القوى البدنية كلها ظلال القوى يكون في جوهر النفس في ذاتها فلها في ذاتها عين باصرة وأذن سامعة وقوة عقلية من شأنها تصور الحقائق على وجه الحضوري المشاهد على طبق ما يتصوره الإنسان في هذا العالم فإن المعرفة والتصور هاهنا بذر المشاهدة في العقبى فإن كان تصورات الرجل في هذا العالم من باب الخيرات والحسنات والنيات الصالحة صارت مادة لجنات ورضوان وروح وريحان وحور وغلمان وملائكة يسر بمنادمتها في دنياه ويرتاح برؤيتها ومعاشرتها في أخراه.
وإن كانت من الشرور والقبائح والنيات الفاسدة صارت مادة لحيات وعقارب ونيران ومالك غضبان وشياطين يتضرر بمنادمتها في دنياه ويتأذى برؤيتها ومصاحبتها في عقباه.
وأما قوله: لما كانت النفوس المفارقة عن الأبدان غير متناهية لزم اجتماع المفارقات كلها (إلى آخره) فهو مدفوع لأن الكلام ليس في جميع المفارقات من النفوس إنما هو في نفوس الأشقياء فلا يلزم ما ذكره فإن النفوس بعضها مما لا تعلق لها بالأجرام وما يتعلق منها بالأشباح المثالية وإن فرض كونها غير متناهية لم يلزم منه فساد لعدم التزاحم في الصور المثالية على محل واحد فيجوز عدم تناهيها.
وعلى هذا لا يلزم نهاية تلك الجواهر ولا عدم نهاية تلك الأجسام وأما باقي مقدماته فبعضها مما نحكم بصحتها ونعين عليها لملاءمتها لما نحن فيه وبعضها مما لا يضر صحتها ولا فسادها فلا نتعرض لها نفيا وإثباتا ولا قدحا وتصويبا.
ثم إني لأتعجب من بعض الموصوفين بالتأله واستشراق الأنوار العلمية مع شدة توغله في فقه الأنوار وفهم الأسرار واعتنائه بوجود عالم مثالي برزخي بين المفارقات الصرفة وبين المتعلقات الهيولانية كيف صوب قول بعض العلماء من كون جرم سماوي موضوعا لتخيلات طوائف من السعداء والأشقياء لأنهم لم يتصور لهم العالم العقلي ولم ينقع علاقتهم عن الأجرام وهم بعد بالقوة التي احتاجت النفس إلى علاقة البدن وكيف قال إنه كلام حسن إلا أنه خالفهم ذلك القول في تعلق نفوس