من الحيوان مترقبة منها إلى الأعلى فالأعلى حتى تصعد إلى مرتبة الإنسان متخلصة إليها من المرتبة المتاخمة لها إلى المرتبة الأعلى.
فنحن نذكر حججا بعضها عاما يبطل التناسخ مطلقا وبعضها خاصا يبطل أحد القسمين ليكون السالك لطريق الآخرة على بصيرة.
وأما الحجة العامة:
فهي أن النفس إذا تركت البدن لفساد المزاج وخروجه عن قبول تصرفها فلا يخلو إما أن ينتقل إلى عالم العقول أو إلى عالم المثال الذي يقال له الخيال المنفصل تشبيها له بالخيال المتصل أو إلى بدن حيوان من هذا العالم أو تصير معطلة عن تدبير نفساني فالاحتمالات لا يزيد على أربعة والأخيران باطلان فبقي الأولان أحدهما للمقربين وثانيهما لأصحاب اليمين وأصحاب الشمال على طبقات من كل صنف.
أما بيان بطلان الأخيرين فأما التعطيل فلما تقرر من أنه لا معطل في الوجود.
وأما التناسخ فلأنه إذا اشتغلت النفس بتدبير نطفة استعدت لقبول التأثير والتدبير واستحقت لإفاضة النفس عليه من الواهب العقلي الذي هو مبدأ النفوس والصور على كل قابل مستحق استحقاقا بالطبع لا بالجزاف والاختيار فيؤدي ذلك إلى أن يجمع لبدن واحد نفسان وهو محال. فإن استعداد النطفة لقبول نور النفس من واهب الصور يجري مجرى استعداد الجدار لقبول نور الشمس على الاستقامة إذا رفع الحجاب عن وجهه فإذا كان عند ارتفاع الحجاب ثمة جسم صقيل ينعكس منه نور الشمس الواقع عليه إلى ذلك الجدار أشرق عليه النوران الشمسيان الاستقامي والانعكاسى ولا يمنع النور الانعكاسى وقوع النور الاستقامي عليه فكذلك انتقال النفس المستنسخة إلى نطفة مستعدة لا يمنع فيضان النفس الابتدائية فيلزم ما ذكرناه من اجتماع النفسين في بدن واحد وهو مستحيل لامتناع كون الشيء ذا ذاتين أعني ذا نفسين وما من شخص إلا وهو يشعر بنفس واحدة له فالتناسخ مطلقا ممتنع.