صدورها.
وإلا لم يكن عالما بالأشياء باعتبار ذاته بل باعتبار ذوات الأشياء.
فلا يكون له علم بالأشياء يكون ذلك العلم صفة كمال في حقه تعالى وهو محال.
فزعموا أن علمه تعالى بمجعولاته منطو في علمه بذاته فكما أن علمه تعالى بذاته هو ذاته فكذا علمه بمعلولاته فإذا كان ذاته علة لوجود ما عداه فعلمه بما عداه كذلك فعلمه بها يكون فعليا.
ويرد عليه أنه كيف يكون شيء واحد بسيط في غاية الوحدة والبساطة صورة علمية لأشياء مختلفة متكثرة فقد انثلم قاعدتهم أن العلم بالشيء يجب أن يكون متحد الماهية مع ذلك الشيء.
وكيف يتميز الأشياء بمجرد هذا العلم وأنها لم توجد ماهياتها بعد أصلا وهل هذا إلا تمايز المعدومات الصرفة وأجيب عن الأول بأنه كما أن بالصور العلمية المخصوصة بشيء يتميز ذلك الشيء كذلك بالمقتضي لخصوصية شيء يتميز ذلك الشيء. لأن المقتضي باقتضائه يتميز ذات المقتضي وصفاته بحيث لا يشاركه غيره.
وكما أن الصورة التي بها يتميز الشيء إذا حصلت عند المدرك كانت علما به كذلك المقتضي الذي يتميز به الشيء إذا حصل عند المدرك كان علما به.
ولما كان المقتضي لجميع الأشياء على ما هو عليه في الواقع أمرا واحدا يتميز باقتضائه كل ذرة من ذرات الوجود عما عداه فلا استبعاد في أن يكون ذلك الأمر الواحد بحيث إذا حصل عند المدرك كان علما بكل واحد منها.
فحينئذ يكون جميع الأشياء في الشهود العلمي الذي هو بمنزلة الوجود الذهني أمرا واحدا.
ودفعه بعض المحققين بقوله: لما كانت العلة مباينة للمعلول مغايرة له في الوجود فلا يكون حضورها حضوره. وما لم يحضر الشيء عند المدرك لا يكون مشعورآ به بمجرد كونه مبدأ امتيازه.
على أن قياس العلة على الصورة وإزالة الاستبعاد بذلك مستبعد جدا.