أول مرتبة ثم جعلناه نطفة في قرار مكين هدى ثانية ثم خلقنا النطفة علقة وهي المرتبة الفردية ولها الجمع والإنسان محل الجمع لصورة الحضرة الإلهية ولصورة العالم الكبير ولهذا كان الإنسان وجوده بين الحق والعالم الكبير وانفصل جميع المولدات ما سوى الإنسان عن وجود الإنسان بأن جميع المولدات ما عداه موجودون عن العالم فهو عن أم بغير أب كوجود عيسى بن مريم صلوات الله عليه وإنما نبهناك على هذا لئلا تقول إن جميع المولدات وجدوا بين الله والعالم وما كان الأمر كذلك وإلا فلا فائدة لقوله خلق آدم على صورته ولو كانت الصورة ما يتوهمه بعض أصحابنا بل شيوخنا من كونه ذاتا وسبع صفات فإن ذلك ليس بصحيح فإن الحيوان معلوم أن له ذاتا وأنه حي عالم مريد قادر متكلم سميع بصير فكان يبطل اختصاص الإنسان بالصورة وإنما جاءت على جهة التشريف له فلم يبق إلا أن تكون الصورة غير ما ذكروه فإن منعت العلم عن الحيوان كابرت الحس فإن الحيوان مفطور على العلم وأنه يوحى إليه كما قال وأوحى ربك إلى النحل فإن نازعت في الكلام قلنا لك كلامه من جنس ما يليق بمزاجه وأما المكاشف فلا يحتاج معه إلى هذا فإنه يرى ما نرى ويعلم ما نعلم فإن قلت فكلامنا هو الحقيقة قلنا فالكلام الذي تثبته لنفسك إن أردت به الأصوات والحروف المركبة فكلام الله عندك على خلاف هذا ليس بصوت ولا حرف إن كنت أشعريا وإن كنت معتزليا فالكلام لمن خلقه وإن كان الكلام عندك عبارة عن كلام النفس فذلك موجود في الحيوان فصوت السنور إذا طلب ما يأكل خلاف صوته إذا طلب ما ينكح فقد أعرب بصوته عما حدثته به نفسه فإن قلت إن ذلك الذي في النفس إرادة وليس بكلام قلنا وكذلك الإنسان الذي في نفسه إرادة وليس بكلام فإن قلت ما استدل به أبو إسحاق الأسفراييني الأستاذ من حديث النفس بما مضى وما مضى لا يكون مرادا إذن فليست إرادة أعني ذلك الذي في النفس قلنا ذلك هو العلم بما قد مضى والتبس عليك ولا دليل لهم على كلام النفس أوضح من هذا وهو مدخول كما رأيت فخرج من هذا أن قوله صلى الله عليه وسلم على صورته لا يريد ما ذكره أصحابنا من الذات والصفات وكل الجماعة على ذلك فابحث على هذا الكنز حتى يفتح الله عليك به كما فتح به على من شاء من خلقه في قوله يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده ومما يختص به هذا المنزل من العلوم أيضا إن الله لما خلق العقل الأول أعطاه من العلم ما حصل له به الشرف على من هو دونه ومع هذا ما قال فيه إنه مخلوق على الصورة مع أنه مفعول إبداعي كما هي النفس مفعول انبعاثي فلما خلق الله الإنسان الكامل أعطاه مرتبة العقل الأول وعلمه ما لم يعلمه العقل من الحقيقة الصورية التي هي الوجه الخاص له من جانب الحق وبها زاد على جميع المخلوقات وبها كان المقصود من العالم فلم تظهر صورة موجود إلا بالإنسان والعقل الأول على عظمه جزء من الصورة وكل موجود مما عدا الإنسان إنما هو في البعضية ولهذا ما طغى أحد من الخلائق ما طغى الإنسان وعلا في وجوده فادعى الربوبية وأكبر العصاة إبليس وهو الذي يقول إني أخاف الله رب العالمين عند ما يكفر الإنسان إذا وسوس في صدره بالكفر وما ادعى قط الربوبية وإنما تكبر على آدم لا على الله فلو لا كمال الصورة في الإنسان ما ادعى الربوبية فطوبى لمن كان على صورة تقتضي له هذه المنزلة من العلو ولم تؤثر فيه ولا أخرجته من عبوديته فتلك العصمة التي حبانا الله بالحظ الوافر منها في وقتنا هذا فالله يبقيها علينا فيما بقي من عمرنا إلى أن نقبض عليها أنا وجميع إخواننا ومحبينا بمنه لا رب غيره ومن هذا المنزل تعرف عقوبة من لم يعرف قدره وجاز حده واحتجب بالصورة عما أراد الحق منه في خلقه بما أخبر به في شريعته فقال وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ثم لتعلم إن علم القربة في هذا المنزل من وقف عليه وشاهده كان على بينة من ربه فيما يتقرب إليه به وهو ما نبهناك عليه ومما يتضمنه هذا المنزل خاصة علم الجمع بين التقدير والإيجاد ولا تجد ذلك في منزل من المنازل مفصلا لا واسطة بينهما إذ كان التقدير يتقدم الإيجاد في نفس الأمر في عالم الزمان ولهذا قيل وبعض الناس يخلق ثم لا يفري فاعلم أنه لم يكن في الأزل شئ يقدر به ما يكون في الأبد إلا الهو فأراد الهو أن يرى نفسه رؤية كمالية تكون لها ويزول في حقه حكم الهو فنظر في الأعيان الثابتة فلم يرعينا يعطي النظر إليها هذه الرتبة الأنانة إلا عين الإنسان الكامل فقدرها عليه وقابلها به فوافقت إلا حقيقة واحدة نقصت عنه وهي وجودها لنفسها فأوجدها لنفسها فتطابقت
(٦٤٢)