والابتهال إلى الله بالافتقار والخشوع المستعمل في إن يتجلى له حكم توليه إياه بارتفاع الوسائط من الوجه الخاص الذي بين كل موجود وبين ربه الذي لا يعرفه كل عارف ومن هذا المنزل يعرف ما ينزل الحق من المعارف على قلوب عباده بإنزال الأرواح إليها قال تعالى يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده أنه لا إله إلا أنا ولم يقل هو فكان الروح هو الملقي من عند الله إلى قلوب عباده ويكون أمر الله هو الذي ألقاه ويكون ذلك الروح صورة قوله لا إله إلا أنا فاتقون فارتفعت الوساطة في هذا المنزل إذ كان عين الوحي المنزل هو عين الروح وكان الملقي هو الله لا غيره فهذا الروح ليس عين الملك وإنما هو عين المالكة فافهم فمثل هذا الروح لا تعرفه الملائكة لأنه ليس من جنسها فإنه روح غير محمول ليس نورانيا والملك روح في نور وهذا الذوق لنا ولسائر الأنبياء وأما الملائكة فقد يكونون ممن اختص بهم الرسل وهو قوله تعالى نزل به الروح الأمين على قلبك فهو رسول الرسول وأما تنزل الأرواح الملكية على قلوب العباد فإنهم لا ينزلون إلا بأمر الله الرب وليس معنى ذلك أن الله يأمرهم من حضرة الخطاب بالإنزال وإنما يلقي إليهم ما لا يليق بمقامهم في صورة من ينزلون عليه بذلك فيعرفون إن الله قد أراد منهم الإنزال والنزول بما وجدوه في نفوسهم من الوحي الذي لا يليق بهم وأن ذلك الوحي من خصائص البشر ويشاهدون صورة المنزل عليه في الصور التي عندهم تسبيحها يا من أظهر الجميل وستر القبيح للستور التي تسدل وترفع فيعرفون من تلك الصور من هو صاحبها في الأرض فينزلون عليه ويلقون إليه ما ألقى إليهم فيعبر عن ذلك الملقي بالشرع والوحي فإن كان منسوبا إلى الله بحكم الصفة سمي قرآنا وفرقانا وتوراة وزبورا وإنجيلا وصحفا وإن كان منسوبا إلى الله بحكم الفعل لا بحكم الصفة سمي حديثا وخبرا ورأيا وسنة وقد ينزلون أيضا بالأمر الإلهي من حضرة الخطاب وكلا الوجهين من التنزل يتضمنه قول جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم لما قال له الحق أن يفر له لنبيه صلى الله عليه وسلم عن ربه ولهذا جعله من القرآن وهو حكاية الله عن جبريل وجبريل هو الذي نزل به وما أخرجه نزوله به والحكاية عنه عن إن يكون قرآنا فكان جبريل يحكي عن الله تعالى ما حكى الله تعالى عن جبريل أن لو قال لمحمد صلى الله عليه وسلم ذلك لقاله له على هذا الحد في عالم الشهادة وهو قوله وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا فيما شاهده من قول جبريل لمحمد عليهما السلام وهم أعيان ثابتة في حال عدمهم وخطاباتهم أعيان ثابتة في حال عدمهم له فهو الإشارة إليه بقوله نسيا فكانت الحكاية أمرا محققا عن وجود لله محقق لا يتصف بالحدوث ثم حدث الوجود لتلك الأعيان فأخبرت بما كان منها قبل كونها مما شاهده الحق ولم تشهده لعدم وجودها في عينها روى عن الزهري أنه حدث عن شخص من الثقات حديثا أو حدث عنه فقال المحدث عنه لا أعلم هذا الحديث ولا أنا منه على يقين ولكن أنت عندي ثقة فرواه عنه عن نفسه وقال حدثني فلان عني وقال إني قلت له حدثني فلان واتصل الإسناد فتنبه لهذه المسألة في طريق الرواية ومما يتضمن هذا المنزل فضل العلم المستور على العلم المشهور والعلم المستور هو على ضربين ضرب منه لم يضمن في الشهادة صور كلمات وضرب ضمن صور كلمات فمثل العلم المضمن صور كلمات وهو مستور عن إن يتعلق به معرفة عارف على القطع إلا بأخبار إلهي فهو علم ما تشابه من القرآن الذي لا يعلم تأويله إلا الله فهذا من العلوم المستورة ولكن لا يعرف من صور الكلمات في أي وجه هو مستور فيه والعلم الثاني المستور هو الذي لم يكن له صورة يحتجب بها من صور الكلمات وفضل مثل هذا العلم ومنزلته مجهولة يعلمها الله ومن أعلمه الله وقد يصادف الإنسان العمل بما يقتضيه ذلك العلم وهو لا يعرف ذلك حتى ينتقل إلى الدار الآخرة فيجد ثمرة عمله مرتبطة بمنزلة ذلك العلم المستور فيعلمه عند ذلك ومما يتعلق بهذا الباب إنزال الهو منزلة الشاهد مع بقاء الهو في عينه منزها ولا يكون الهو ينزل أبدا إلا في صور مدركة بالحس إما في الحس وإما في الخيال ويسمى بالهو في حال ظهور الصورة ليعلم أن الهو روح تلك الصورة ومدلولها فيعلم إن تلك الصورة لا يعلم معناها إلا الله كما قال تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ومن كان عند الهو كان بحيث الهو والهو غيب والذي يكون عنده غيب وإذا كان غيبا عند غيب فلا تعلمه الشهادة وإنما يعلمه الغيب فلا يعلم ما في الغيب إلا من هو غيب فمن حيث الصور ينسب إلى الغيب الظرفية فإذا ارتفعت الصور زال الغيب لأن الحجاب قد ارتفع فلا يتصف
(٦٣٨)