بالغيب ولا بالشهادة لأن الشهادة لا تنفك عن الصور وقد قلنا لا صورة فقد قلنا لا شهادة والصورة تجعل ذلك الأمر غيبا وقد قلنا بزوال الصورة فقد رفعنا حكم الغيب عن ذلك الأمر فلا غيب ولا شهادة وفي هذا المنزل من العجائب والأسرار ما لو أظهرناه لتوقفت عقول أكثر علماء هذه الطريقة السليمة عن قبول مثلها ومن هذا المنزل يتلقى ملك الموت أجال الناس واختلف أهل الكشف في آجال الحيوان وفي آجال كل ما سوى الإنسان هل هذا المنزل منزل علمها أم لا وهل لما عدا الحيوان آجال أم لا فاعلم إن الله تعالى جعل لكل صورة في العالم أجلا تنتهي إليه في الدنيا والآخرة إلا الأعيان القابلة للصور فإنه لا أجل لها بل لها منذ خلقها الله الدوام والبقاء قال تعالى كل يجري إلى أجل مسمى وقال ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده فجاء بكل وهي تقتضي الإحاطة والعموم وقد قلنا إن الأعيان القابلة للصور لا أجل لها فبما ذا خرجت من حكم كل قلنا ما خرجت وإنما الأجل الذي للعين إنما هو ارتباطها بصورة من الصور التي تقبلها فهي تنتهي في القبول لها إلى أجل مسمى وهو انقضاء زمان تلك الصورة فإذا وصل الأجل المعلوم عند الله في هذا الارتباط انعدمت الصورة وقبل العين صورة أخرى فقد جرت الأعيان إلى أجل مسمى في قبول صورة ما كما جرت الصورة إلى أجل مسمى في ثبوتها لتلك العين الذي كان محل ظهورها فقد عم الكل الأجل المسمى فقد قدر الله لكل شئ أجلا في أمر ما ينتهي إليه ثم ينتقل إلى حالة أخرى يجري فيها أيضا إلى أجل مسمى فإن الله خلاق على الدوام مع الأنفاس فمن الأشياء ما يكون مدة بقائه زمان وجوده وينتهي إلى أجله في الزمان الثاني من زمان وجوده وهي أقصر مدة في العالم وفعل الله ذلك ليصح الافتقار مع الأنفاس من الأعيان إلى الله تعالى فلو بقيت زمانين فصاعدا لاتصفت بالغنى عن الله في تلك المدة وهذه مسألة لا يقول بها أحد إلا أهل الكشف المحقق منا والأشاعرة من المتكلمين وموضع الإجماع من الكل في هذه المسألة التي لا يقدرون على إنكارها الحركة إلا طائفتين من يجعل الحركة نسبة لا وجود لها وهو الباقلاني من المتكلمين وأصحاب الكمون والظهور القائلون به وإن قال القائلون بالكمون والظهور بذلك فإنهم تحت حيطة كل بهذا المذهب فإنه قد جرى في كمونه إلى أجل مسمى وهو زمان ظهوره فقد انقضت مدة كمونه وجرى في ظهوره إلى أجل مسمى وهو زمان كمونه فقد انقضت مدة ظهوره ولا يلزم من جريانهم إلى الأجل أن المراد عدمهم بل يجوز أن يكون له العدم ويجوز أن يكون الانتقال مع بقاء العين الموصوفة بالجري ويجوز أن يكون منه أجل يعدمه ومنه ما يكون له أجل بانتقاله يعدمه وهو الذي نذهب إليه ونقول به واعلم أن لله في هذا المنزل أرواحا من الملائكة بأيديهم من الخيرات والنعيم الدائم ما لا يدري مقداره إلا الله تعالى قد وكلهم الله على ذلك وجعلهم حفظة عليه وخزانا لأصحابه من الأناسي يؤدون ذلك إليه في الوقت الذي قد قرر لهم الحق ذلك وعينه لهم بالحال التي ينتقل ذلك العبد السعيد إليها وكذلك له ملائكة خزنة بالنقيض أيضا معدة لإنسان آخر يؤدون ذلك إليه في الوقت الذي قرره الحق لهم بالحال التي ينتقل إليها ذلك العبد الشقي كل ذلك بتقدير العزيز العليم واعلم أنه ما من كلمة يتكلم بها العبد إلا ويخلق الله من تلك الكلمة ملكا فإن كانت خيرا كان ملك رحمة وإن كانت شرا كان ملك نقمة فإن تاب إلى الله وتلفظ بتوبته خلق الله من تلك اللفظة ملك رحمة وخلع من المعنى الذي دل عليه ذلك اللفظ بالتوبة الذي قام يقلب التائب على ذلك الملك الذي كان خلقه من كلمة الشر خلعة رحمة وواخى بينه وبين الملك الذي خلقه من كلمة التوبة وهو قوله تبت إلى الله فإن كانت التوبة عامة خلع على كل ملك نقمة كان مخلوقا لذلك العبد من كلمات شره خلع رحمة وجعل مصاحبا لملك المخلوق من لفظة توبته فإنه إذا قال العبد تبت إليك من كل شئ لا يرضيك كان في هذا اللفظ من الخير جمعية كل شئ من الشر فخلق من هذا اللفظ ملائكة كثيرة بعدد كلمات الشر التي كانت منه فإن الإنسان أعطى لفظا يدل على الإفراد وأعطى لفظا يدل على الاثنين وأعطى لفظا يدل على الكثرة فلفظة كل تدل على الكثرة فعلم إن قوله تبت إلى الله من كل شئ إنه تبت إلى الله من كذا تبت إلى الله من كذا تبت إلى الله من كذا كما تقول زيدون تريد بذلك زيد وزيد وزيد هذا أقله إلى ما لا يتناهى كثرة وكذلك لفظة زيود في جمع التكسير فلهذا خلق الله من كلمة الجمع ملائكة بعدد ما تعمه تلك الكلمة وإنما قلنا بأن الملائكة المخلوقة من كلمة الشر يخلع عليها خلع الخير وترجع ملائكة رحمة في حق هذا التائب ويصاحب بينها وبين الملائكة
(٦٣٩)