ويقطع بذلك وسبب ذلك الجهل بنغمتهم فكان إذا قعد عندي وحضر مجلسي يبهت ثم يصف ما يرى فاعلم أنه يخيل له فكان يصل في ذلك إلى حد الملاعبة والمصاحبة والمحادثة وربما يقع بينه وبين ذلك الذي شاهده مخاصمة في أمور ومناكرة فتضره الجن من طريق آخر وهو يتخيل أن تلك الصور منها صدر الضرر وغلب عليه ذلك رحمه الله وكان أبو العباس الدهان وجميع أصحابنا يشاهدون ذلك منه فمن عرف النغمات لم تلتبس عليه صورة أصلا وقليل من يعرف ذلك ويغترون بصدق ما يظهر من تلك الصور في أوقات فهذا قد بينا لك مراتب التحول في الصور من هذا المنزل وفيه من هذا الظهور في الصور عجائب جمة تنهر العقول وأعظمها تغير المزاج إلى مزاج آخر مع بقاء الجوهر لا بد منه الحامل لهذه الصورة فإن لم يبق الجوهر فما تحول قط ولكن هذا جوهر آخر في صورته ما تبدل ولا هو ذلك كما إن زيدا ليس عمرا ومن هذا المنزل أيضا وزن أبي بكر الصديق بالأمة فرجح هذا منزل حضرة الوزن بين المخلوقين من كل ما سوى الله ومن عرف ما في هذا المنزل وشاهد حكمه ورفعت له موازين الخلق على ما وضعهم الله عليه من الحال والمقام عرف فضل الملائكة بعضهم على بعض وفضل الناس بعضهم على بعض وفضل الجن بعضهم على بعض وفضل الحيوان بعضه على بعض وفضل النبات بعضه على بعض وفضل الجماد بعضه على بعض والمفاضلة بين الملائكة والبشر وبين الجن والبشر وبين الجماد والنبات والبشر ويعرف مفاضلة كل جنس مع غير جنسه ومن هنا يعرف فضل الحجر الأسود مع كونه جمادا وهو يمين الله فانظر هذه الرتبة وهو جماد وانظر في فرعون وأبي جهل وهو إنسان ومن هذا المنزل إذا وقفت على هذه المفاضلات رأيت الجنة فيمن تسري من هؤلاء الأجناس وأنواع الأجناس وأنواع الأنواع إلى آخر درجة وهي أشخاص النوع الأخير ويشاهد أيضا سريان النار في الأجناس بين حر وزمهرير وفي أنواع الأجناس وأنواع الأنواع حتى تنتهي إلى أشخاص النوع الأخير فتحكم على كل من تشاهده بما تشاهده فإنك إنما تشاهده بما له لا بوقته وهنا يقع تلبيس من حضرة خيالية في مقابلة هذه الحضرة فيشاهد ما يعطيه شاهد الوقت فيحكم عليه بالمال وهو تلبيس شيطاني من الصفة التي ذكرناها آنفا من كون الجن والشياطين تخيل للناس صورا عنهم وعن غيرهم وليس بحقيقة وهذه المسألة التبس الأمر فيها على أبي حامد الغزالي وغيره وممن التبس عليه الأمر في ذلك من الشيوخ الذين أدركناهم أبو أحمد بن سيد بون بوادي أشت فكان يقول هو وأمثاله إن الإنسان إنما يطرأ عليه التلبيس ما دام في عالم العناصر فإذا ارتقى عنها وفتحت له أبواب السماء عصم من التلبيس فإنه في عالم الحفظ والعصمة من المردة والشياطين فكل ما يراه هنالك حق فلنبين لك الحق في ذلك ما هو وذلك أن الذي ذهبت إليه هذه الطائفة القائلون بما حكيناه عنهم من رفع التلبيس فيما يرونه لكونهم في محال لا تدخلها الشياطين فهي محال مقدسة مطهرة كما وصفها الله وذلك صحيح إن الأمر كما زعموه ولكن إذا كان المعراج فيها جسما وروحا كمعراج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما من عرج به بخاطره وروحانيته بغير انفصال موت بل بفناء أو قوة نظر يعطي إياها وجسده في بيته وهو غائب عنه بفناء أو حاضر معه لقوة هو عليها فلا بد من التلبيس إن لم يكن لهذا الشخص علامة إلهية بينه وبين الله يكون فيها على بينة من ربه فيما يراه ويشاهده ويخاطب به فإن كان له علامة يكون بها على بينة من ربه وإلا فالتلبيس يحصل له وعدم القطع بالعلم في ذلك إن كان منصفا وقد يكون الذي شاهده حقا ويكون معصوما محفوظا في نفس الأمر ولكن لا علم له بذلك فإذا كان على بينة من ربه حينئذ يأمن التلبيس كما أمنته الأنبياء عليهم السلام فيما يلقى إليهم من الوحي في بيوتهم وذلك أن الشيطان لا يزال مراقبا لحال هذا المريد المكاشف سواء كان من أهل العلامات أو لم يكن فإن له حرصا على الإغواء والتلبيس ولعلمه بأن الله قد يخذل عبده بعد عصمته مما يلقي إليه فيقول عسى ويعيش بالترجي والتوقع وإن عصم باطن الإنسان منه ورأى أنوار الملائكة قد حفت بهذا العبد انتقل إلى حسه فيظهر له في صورة الحس أمورا عسى يأخذه بها عما هو بسبيله مع الله في باطنه وهذا فعله مع كل معصوم محفوظ بأنوار الملائكة حسا في باطنه وأما إن كان معصوما في نفس الأمر وليس على باطنه حفظة من الملائكة فإن الشيطان يأتي إلى قلبه وهذا الشخص بكونه معصوما في نفس الأمر بالبينة التي هو عليها من ربه لا يقبل منه ما يلقى إليه هذا إن لم يكن متبحرا في العلم ويكون
(٦٢٢)