وهي زلة وقعت منه ينبغي له أن يتعوذ بالله من شرها فإن الموطن الدنياوي لا يقتضي الفتح ولا التعريف بالمقام إلا للأنبياء خاصة إذا أرسلوا وأما الأولياء فحصرتهم العبودية المحضة فهم في ستر مقامهم وحالهم لربهم لا لأنفسهم أي من أجل ربهم وإنهم حاضرون في ذلك مع ربهم وإن كان العارف من حيث إنسانيته ونفسه محبا في الثناء عليه بمنزلته من سيده ليظهر بذلك الشفوف على أبناء جنسه وهو معذور فأي فخر أعظم من الفخر بالله ولكن العبد الخالص له الدين الخالص والدين الخالص هو ما يجازيه به ربه من ثنائه عليه بلسان الحق وكلامه لا بلسان المخلوقين فهو يحب الثناء من الله ليعلم بإعلام الله إياه أنه ما أخل بشئ مما يقتضيه مقام العبودية أو يستحقه مقام الربوبية ليكون من نفسه على بصيرة فقد أحب ما تقتضيه إنسانيته ونفسه من حب الثناء ولكن من الله لا من المخلوق ولا من نفسه على نفسه عند المخلوقين فإنه على غير بصيرة فيه ولا إذن من ربه في ذلك كما أنه يحب المال لما يستلزمه من الغني عن الافتقار إلى المخلوقين فمن كان غناه بربه فهو ماله إذ المال ليس محبوبا لنفسه ولا لادخاره من غير توهم رفع الحاجة بوجوده فاعلم ذلك فجميع النفوس محبة للمال في الظاهر وهو الغني في المعنى فبأي شئ وقع الغني في نفس العبد فهو المال المحبوب عنده بل لكل نفس وفي ذلك قلت بالمال ينقاد كل صعب * من عالم الأرض والسماء فحبسه عالم حجاب * لم يعرفوا لذة العطاء ومنها أعني من هذه القصيدة لا تحسب المال ما تراه * من عسجد مشرق لرائي بل هو ما كنت يا بنى * به غنيا عن السواء فكن برب العلي غنيا * وعامل الحق بالوفاء ومن هذا المنزل تعلم يا بنى ما أكنته القلوب من الأمور وما يجري فيها من الخواطر وما تحدث به نفوسها على طريق الإحصاء لها فيما مضى حتى إن المتحقق بهذا المنزل يعرف من الشخص جميع ما تضمنه قلبه وما تعلقت به إرادته من حين ولادته وحركته لطلب الثدي إلى حين جلوسه بين يديه مما لا يعرفه ذلك الشخص من نفسه لصغره ولما طرأ عليه من النسيان وعدم الالتفات لكل ما يطرأ في قلبه وما تحدثه به نفسه لقدم الزمان فيعرفه صاحب هذا المنزل منه معرفة صحيحة لا يشك ولا يرتاب فيها لا من نفسه ولا من كل من هو بين يديه أو حاضر في خاطره وهو حال يطرأ على العبد وهذا المنزل قد سمعنا من أحوال أبي السعود بن الشبل أنه كان له حدثنا صاحبنا أبو البدر رحمه الله أن الشيخ عبد القادر ذكر بين يدي أبي السعود وأطنب في ذكره والثناء عليه وكان القائل قصد به تعريف الشيخ أبي السعود والحاضرين بمنزلة عبد القادر وأفرط فقال له الشيخ أبو السعود كم تقول أنت تحب أن تعرفنا بمنزلة عبد القادر كالمنتهر له والله إني لا عرف حال عبد القادر كيف كان مع أهله وكيف هو الآن في قبره وهذا لا يعلم إلا من هذا المنزل ولكن لا يحصل له هذا التحصيل الكامل إلا في الرجوع من الحق إلى رؤية المخلوقين بعين الله وتأييده لا بعينه وقوته ومن هذا المنزل أيضا يعلم كم حشر يحشر فيه الإنسان فاعلم إن الروح الإنساني أوجده الله حين أوجده مدبرا لصورة طبيعية حسية له سواء كان في الدنيا أو في البرزخ أو في الدار الآخرة أو حيث كان فأول صورة لبستها الصورة التي أخذ عليه فيها الميثاق بالإقرار بربوبية الحق عليه ثم إنه حشر من تلك الصورة إلى هذه الصورة الجسمية الدنياوية وحبس بها في رابع شهر من تكوين صورة جسده في بطن أمه إلى ساعة موته فإذا مات حشر إلى صورة أخرى من حين موته إلى وقت سؤاله فإذا جاء وقت سؤاله حشر من تلك الصورة إلى جسده الموصوف بالموت فيحيا به ويؤخذ بأسماع الناس وأبصارهم عن حياته بذلك الروح إلا من خصه الله تعالى بالكشف على ذلك من نبي أو ولي من الثقلين وأما سائر الحيوان فإنهم يشاهدون حياته وما هو فيه عينا ثم يحشر بعد السؤال إلى صورة أخرى في البرزخ يمسك فيها بل تلك الصورة هي عين البرزخ والنوم والموت في ذلك على السواء إلى نفخة البعث فيبعث من تلك الصورة ويحشر إلى الصورة التي كان فارقها في الدنيا إن كان بقي عليه سؤال فإن لم يكن من أهل ذلك الصنف حشر إلى الصورة التي يدخل بها الجنة والمسؤول يوم القيامة إذا فرع من سؤاله حشر في الصورة التي
(٦٢٧)