صورتك ما تغيرت لا في جوهرك ولا في صورتك إلا أنه لا بد أن تحضر تلك الصورة التي تريد أن تظهر للرائي فيها في خيالك فيدركها بصر الرائي في خيالك كما تخيلتها ويحجبه ذلك النظر في الوقت عن إدراك صورتك المعهودة هذا طريق وطريقة أخرى يتضمنها هذا المنزل وذلك أن الصورة التي أنت عليها عرض في جوهرك فيزيل الله ذلك العرض ويلبسك ما أردت أن تظهر به من صور الأعراض من حية أو أسد أو شخص آخر إنساني وجوهرك باق وروحك المدبر جوهرك على ما هو عليه من العقل وجميع القوي فالصورة صورة حيوان أو نبات أو جماد والعقل عقل إنسان وهو متمكن من النطق والكلام فإن شاء تكلم وإن شاء لم يتكلم بأي لسان شاء الحق أن ينطقه به فحكمه حكم عين الصورة في المعهود ومن هذا الباب يعرف نطق الجمادات والنبات والحيوان وهي على صورها وتسمعها كنطق الإنسان كما إن الروح إذا تجسد في صورة البشر تكلم بكلام البشر لحكم الصورة عليه وليس في قوة الروحاني أن يتكلم بكلام غير الصورة التي يظهر فيها بخلاف الإنسان وهو في غير صورة الإنسان وهذا منزل الممسوخ من هذه الحضرة تمسخ الصورة الحسية في الدنيا والآخرة ومن هذا المنزل تمسخ البواطن فترى الصورة أناسا وفي الباطن غير تلك الصورة من ملك أو شيطان بصورة حيوان مناسب لما هو باطنه عليه من كلب أو خنزير أو قرد أو أسد وكل ذلك يخالف ما تطلبه إنسانيته إما عال وإما دون ومسلخ البواطن قد كثر في هذا الزمان كما ظهر المسخ في الصورة الظاهرة في بني إسرائيل حين جعلهم الله قردة وخنازير ولا بد في آخر الزمان أن يظهر المسخ في هذه الأمة ولكن في اليهود منها لا في المسلمين فإن الايمان يحفظهم فما يمسخ من هذه الأمة إلا يهودي أو منافق يظهر الإسلام ويخفى اليهودية وإنما ألحقنا اليهود بهذه الأمة لأن أمة النبي ليست قبيلته وإنما أمته جميع من بعث إليهم ومحمد صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس عامة فجميع الناس أمته من جميع الملل فمنهم من آمن ومنهم من كفر ومنهم من أسلم وأما دخول الجن في دينه صلى الله عليه وسلم فكان دخولهم في دينه مثل ما كان دخول من لم يبعث إليه نبي في وقته في دين نبي وقته ثم إن ذلك النبي الذي ما بعث إليه إذا لم يكن ذلك الداخل ممن بعث إليه نبي آخر تجري أحكامه على من بعث إليه بما بعث به فإن لكل نبي شرعة ومنهاجا فهكذا كان إيمان الجن برسول الله صلى الله عليه وسلم وأما ما ذكرناه من مسخ البواطن فقول النبي صلى الله عليه وسلم يخبر عن ربه في صفة قوم من أمته أنهم إخوان العلانية أعداء السريرة ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم قلوب الذئاب يلبسون للناس جلود الضأن من اللين فهذا هو مسخ البواطن أن يكون قلبه قلب ذئب وصورته صورة إنسان فالله العاصم من هذه القواصم وطريقة أخرى في التحول في الصورة وهي أن تبقي صورة هذا الشخص على ما كانت عليه ويلبس نفسه صورة روحاني يجد ذلك الروحاني في أي صورة شاء هذا الشخص أن يظهر للرائي فيها ويغيب هذا الشخص في تلك الصورة وهي عليه كالهواء الحاف به فتقع عين الرائي على تلك الصورة الأسدية أو الكلبية أو القردية أو ما كانت كل ذلك بتقدير العزيز العليم وطريقة أخرى وهي أن يشكل الهواء الحاف به على أي صورة شاء ويكون الشخص باطن تلك الصورة فيقع الإدراك على تلك الصورة الهوائية المشكلة في الصورة التي أراد أن يظهر فيها ولكن إن وقع من تلك الصورة نطق فلا يقع إلا بلسانه المعروف عند الرائي فيسمع النعمة فيعرفها ويرى الصورة فينكرها لا يتمكن لمن هذه حالته أن يزول عن نغمته وهذه قوة الجن لمن يعرفهم فإنهم يظهرون فيما شاؤه من الصور والنغمة منهم نغمة جن لا يقدرون على أكثر من ذلك ومن لا معرفة له بهذا القدر فلا معرفة له بالجن إلا إن ثم أقواما تلعب الجن بعقولهم فتخيل لهم في عيونهم صورا مثل ما يخيل الساحر الحبال في صورة حيات ساعية فيحسبون أنهم يرون الجن وليسوا بجن وتكلمهم تلك الصور فيما يخيل إليهم وليست الصور بمتكلمة بخلاف تجسد الجن في أنفسهم فمن عرف من العارفين نغمات كل طائفة عرف ما رأى ولم يطرأ عليه تلبيس فيما رآه وقد رأينا جماعة بالأندلس ممن يرون الجن من غير تشكل وفي تشكلهم منهم فاطمة بنت ابن المثنى من أهل قرطبة وكانت عارفة بهم من غير تلبيس ورأيت طائفة بمدينة فاس ممن كانت الجن تخيل لهم صورا في أعينهم وتخاطبهم بما شاءوا لتفتنهم وليسوا بجن ولا بشكل جن منهم أبو العباس الزقاق بمدينة فاس وكان قد لبس عليه الأمر في ذلك فكان يخيل إليه أن الأرواح الجنية تخاطبه
(٦٢١)