فقمت على ساق الثناء ممجدا * فجاءت بشارات المعارف بالختم فسبحان من أحيا الفؤاد بنوره * وخصصني بالأخذ عنه وبالفهم من هذا الباب قوله تعالى أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون والناطق الذي يقوم للذاكرين في قلوبهم وما هو بحكمهم من دوام الذكر الذي يكونون عليه من غير إن يتخلله فترة فيسمعون ناطقا في قلوبهم يذكر الله فيهم وهم سكوت أو في حديث من أحاديث النفوس وما يعرفون من ينطق فيهم فذلك الناطق هو القائل لموسى صلى الله عليه وسلم إني أنا الله لا إله إلا أنا ويسمى هذا النطق نطق القلب وهو الناطق عندهم وطائفة تقول إنه ملك خلقه الله من ذكره الذي كان عليه وأسكنه فيه ينوب عن هذا العبد في ذكره في أوقات غفلاته المتخللة بالذكر فإن استمرت غفلاته وترك الذكر فقد هذا الناطق ومن الناس من يرى فيه إن الحق أسمعه نطق قلبه الذي في صدره الذي هو عليه دائما خرق عادة كرامة لهذا الشخص من الله حيث أسمعه نطق قلبه ليزيد إيمانا بنطق جوارحه كما قال ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم بما جاء من نطق جوارحهم في آخر الزمان وفي الدار الآخرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يكلم الرجل فخذه بما فعل أهله وحتى يكلم الرجل عذبة سوطه وقال الله تعالى وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون وقال وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم إن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون وقال هؤلاء يوم القيامة لجلودهم لم شهدتم علينا فقالت الجلود أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ ومن زاد على مرتبة هذا الذاكر الذي سمع نطق قلبه بسمعه أسمعه الله نطق جسده كله بل نطق جميع الجمادات والنباتات والحيوانات فأما الحيوانات فقد يسمع نطقها ويفهم ما تقول بغير طريق الذكر بل بخاصية لحم حيوان أو مرقة لحمه يطلع آكله أو شارب مرقته على غيوب ما يحدث الله في العالم من الحوادث الجزئية والعامة ويسمع ويفهم ما تنطق به جميع الحيوانات وقد رأيت من رأى من أكل من لحم هذا الحيوان وشرب من مرقته فكانت له هذه الحالة فكان من رآها منه يتعجب ويكون هذا الحيوان في البرية التي بين مكة والعراق لكن خارجا عن طريق الركب بأيام في غيضة عظيمة وشكل هذا الحيوان شكل امرأة تتكلم باللسان العربي يخرج إليها عرب تلك البرية وهم قبيلة معروفة في كل سنة يوما معلوما يأتون إلى تلك الغيضة بأيديهم الرماح فيقفون على أفواه سكك تلك الغيضة وتدخل طائفة منهم في الغيضة يتفرقون فيها بالصياح ويلحون في الطلب على هذا الحيوان لينفروه فيخرج هذا الحيوان عند ذلك هاربا شاردا أما على بعض تلك الأفواه فإن تمكن منه الواقف على تلك السكة طعنة بالرمح فقتله وإن فاته وتوغل في البرية رجعوا إلى مثل ذلك اليوم من السنة المستقبلة هكذا في كل عام فإذا ظفروا به قطعوه وقسموا لحمه على الحي كله وطبخ كل واحد منهم قطعته وأكلها وشرب مرقتها وأطعم منها من شاء من أهله وبيته وإن كان عندهم غريب ممن قد انقطع من الركب وتاه وحصل عندهم وصادف ذلك اليوم منعوه من أكل لحمها أو شرب مرقتها إلا أن يتناوله بسرقة من غير علم منهم فإن علموا به استفرغوه جبرا بالقئ المفرط فينقص فعل ذلك اللحم منه ولا يذهب بالكلية ويبقى عليه بقية من علم الغيوب فسبحان من أخفى علم ما أودعه في مخلوقاته عن بعض مخلوقاته لا إله إلا هو العليم الحكيم وكل ما ذكره من ذكره في معنى هذا الناطق وحقيقته فصحيح فإنه قد يكون هذا الناطق عين قلبه وقد يكون ملكا يخلق من ذكره وقد يكون روحا يستلزمه وقد يكون ما أومأنا إليه والفرقان بين ما أومأنا إليه وبين ما قاله غيرنا في تعيينه أنه يحادثه ويخاطبه بما شاء من التعريفات الإلهية والكونية أي بما يتعلق بمعرفة الله وبما يتعلق بالمخلوقين إذا استمر على ذكره ودام على طاعة ربه وهو الذي قال لصاحب المواقف ما حكاه عنه في مواقفه من القول إن لم يكن هو رحمه الله قد نبه على مراتب علوم فقال لي وقلت له فإن بعض العارفين قد يفعل هذا إذ لم يروا قائلا في الوجود غير الله حالا ولفظا وكله علم محقق غير أنه إذا كان تعبيرا عن مراتب علوم فيتوهم السامع منه إذا قال صاحب هذا المقام قال لي وقلت له إن الحق يكلمه فإن سأله السامع عرفه بالأمر فإنهم أهل صدق إذا كان السائل مؤمنا بما يقوله أهل طريق الله فإن كان مترددا في إيمانه بذلك فإنه يسكت عنه في ذلك إن كان ممن لا تلزمه طاعته شرعا فإن كان ممن تلزمه طاعته شرعا وليست عنده أهلية لذلك قال له
(٦٢٥)