فإن الذات لا يصح أن تعلم أصلا فالعلم بتوحيد الله علم دليل فكري لا علم شهود كشفي فالعلم بالتوحيد لا يكون ذوقا أبدا ولا تعلق له إلا بالمراتب وأين التوحيد في الذات مع ما قد ورد من الصفات المعنوية واختلاف الناس فيها واختلاف أعيانها بالحد والحقيقة وإن هذه ليست عين هذه هذا في العقل وفي الشرع ثم انفرد التعريف الإلهي باليد والعين والقدم والأصابع وغير ذلك وهذه كلها تنافي توحيد الذات ولا تنافي توحيد الألوهة ولهذا ورد التنازع في قوله عليه السلام إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما لأن أحدية المرتبة لا تقبل الثاني ولا تحمل الشركة لأن المطلوب الصلاح لا الفساد والإيجاد لا الإعدام وقال تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فوحد الإله وما قال لو كانت ذات الإله تنقسم لفسدتا ما تعرض لشئ من ذلك وإن الإله عند المتكلمين مجموع ذوات فإن الصفات أعيان زائدة موجودة قائمة بذات الحق وبالمجموع يكون إلها فأين التوحيد الذي يزعمونه وكذلك العقلاء من الفلاسفة الإله عندهم مجموع نسب فأين الوحدانية عندهم فإنهم يصفونه بالعلم والحياة واللذة والابتهاج بكماله فالوحدة أمر يسمع واسم على غير مسمى حقيقي إذا أنصفت فلا إله إلا الله الواحد في ألوهيته القهار للمنازعين له في ألوهيته من عباده والمزاحمين له في أفعاله وما عدا هذين الصنفين فلهم الله الواحد الغفار وبعد أن علمت هذا فلا تحجبك هذه الكثرة عن توحيد الله تعالى ولكن بينت لك متعلق توحيدك وما تعرضنا إلى الذات في عينها لأن الفكر فيها ممنوع شرعا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتفكروا في ذات الله وقال تعالى ويحذركم الله نفسه يعني أن تتفكروا فيها فتحكموا عليها بأمر أنها كذا وكذا وما حجر الكلام في الألوهة ولا تدرك بفكر ومشاهدتها من حيث نفسها ممنوعة عند أهل الله وإنما لها مظاهر تظهر فيها بتلك المظاهر تتعلق رؤية العباد وقد وردت بها الشرائع وما بأيدينا من العلم به إلا صفات تنزيه أو صفات أفعال ومن زعم أن عنده علما بصفة نفسية ثبوتية فباطل زعمه فإنها كانت تحده ولا حد لذاته فهذا باب مغلق دون الكون لا يصح أن يفتح انفرد به الحق سبحانه وإذا كان الحق على ما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن علمه بما علمه الله فقال اللهم إني أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم غيبك فعنده أسماء لا يعلمها إلا هو هي راجعة إليه وقد منع باستئثاره أنه لا يعلمها أحدا من خلقه وأسماؤه ليست أعلاما ولا جوامد وإنما أسماؤه على طريق المحمدة والمدح والثناء ولهذا كانت حسني لما يفهم من معانيها بخلاف الأسماء الأعلام التي لا تدل إلا على الأعيان المسماة بها خاصة لا على جهة المدح ولا جهة الذم وأعظمها عندنا الاسم الله الذي لا تقع فيه المشاركة فأين التوحيد مع هذا التعريف الذي يزعمه هذا الزاعم أنه قد حصل على علم التوحيد النفسي وإذا لم يشهد له شرع ولا عقل ولا كشف وما ثم غير هؤلاء وهم عدول فكيف بك بما خرج عن هؤلاء فألزم ما كلفته من زيارة الموتى وهو اللحوق بهم والانخراط في سلكهم وهو العجز عن إدراك الأمر على ما هو عليه وإنما نحن متصرفون في أفعال المقاربة وهي كاد وأخواتها فيقال كاد العروس يكون أميرا وما هو أمير في نفس الأمر وكاد زيد يحج أي قارب الحج وقال تعالى إذا أخرج يده لم يكد يراها فوصفه بأنه ما رآها ولا قارب رؤيتها فإنه نفى القرب بدخول لم على يكاد وهو حرف نفي وجزم يدخل على الأفعال المضارعة للأسماء فينفيها ويتعلق بهذا المنزل علم الزجر والردع لمن قال من الناس إنه قد علم ذات الحق أنه لا ينكشف له جهله بما زعم أنه عالم به إلا في الدار الآخرة فيعلم هناك أن الأمر على خلاف ما كان يعتقده من علمه وأنه لا يعلم دنيا ولا آخرة قال تعالى وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون فعم فبدا لكل طائفة تعتقد أمرا ما مما الأمر ليس عليه نفي ذلك المعتقد وما تعرض في الآية بما انتفى ذلك هل بالعجز أو بمعرفة النقيض وكلا الأمرين كائن في الدار الآخرة كمن يقول بإنفاذ الوعيد لمن مات عاصيا على غير توبة فيغفر الله له يوم القيامة فقد بدا له من الله ما لم يكن يعلمه من التجاوز وزال علمه بالمؤاخذة فكل طائفة يبدو لها من الله بحسب مسألتها فلو كان العلم في نفس الأمر علم يقين لما تبدل وإنما هو حسبان وظن قد احتجب عن صاحبه بصورة علم فهو يقول إنه يعلم والحق يقول له تظن وتحسب وأين مقام من مقام فما كل أمر يعلم ولا كل أمر يجهل فاعلم العلماء من علم ما يعلم أنه يعلم وما لا يعلم أنه لا يعلم قال صلى الله عليه وسلم لا أحصي ثناء عليك فقد علم أنه ثم أمر لا يحاط به وقال الصديق العجز عن درك الإدراك إدراك
(٦١٩)