محمودة وهي التي تسمى مكارم الأخلاق ومذمومة وهي التي تسمى سفساف الأخلاق والذين تصرف معهم مكارم الأخلاق وسفسافها اثنان وواحد فالواحد هو الله والاثنان نفسك إذا جعلتها منك بمنزلة الأجنبي وغيرك وهو كل ما سوى الله وكل ما سوى الله على قسمين وأنت داخل فيهم عنصري وغير عنصري فالعنصري تصريف الخلق معه حسي وغير العنصري تصريف الخلق معه معنوي فالأعمال المعبر عنها بالأخلاق على قسمين صالح وهو مكارمها وغير صالح وهو سفسافها قال تعالى في القسم الواحد وعمل صالحا وقال في الآخر عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين فعلمه الأدب وإن من الأدب أن تسأل عن علم ما لا يعلم فإذا علم فإن كان من أهل الشفاعة والسؤال فيه سأل فيه وإن لم يكن لم يسأل فيه ولكن غلبت عليه رحمة الأبوة وهي شفقة طبيعية عنصرية فصرفها في غير موطنها فأعلمه الله أن ذلك من صفات الجاهلين والجهل لا يكون معه خير كما إن العلم لا يكون معه شر فقول النبي صلى الله عليه وسلم بعثت لأتمم مكارم الأخلاق يريد أنه يعلم ما هي وكيف تصرف وأين تصرف فلتعلم إن المخاطبين بها كما ذكرنا لك حر وعبد فللعبد منها شرب وللحر منها شرب فإذا أضفت الخلق إلى الله تعالى فكل ما سوى الله عبد لله قال تعالى إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا وإذا أضفت الخلق بعضه إلى بعض فهو بين حر وعبد فأما حظ العبد من الأخلاق فاعلم إن السيد على الإطلاق قد أوجب وحرم فأمر ونهى وقد أباح فخير وقد رجح فندب وكره وما ثم قسم سادس فكل عمل يتعلق به الوجوب من أمر من السيد الذي هو الله بعمل أو ندب إلى عمل فإن العمل به من مكارم الأخلاق مع الله ومع نفسك إن كان واجبا وإن كان مندوبا إليه فهو من مكارم الأخلاق مع نفسك فإن تضمن منفعة الغير ذلك العمل كان أيضا من مكارم الأخلاق مع غيرك وترك هذا العمل إذا كان على هذا الحكم من سفساف الأخلاق وكل عمل يتعلق به التحريم أو الكراهة فالتقسيم فيه كالتقسيم في الواجب والمندوب إليه على ذلك الحد فترك ذلك العمل لاتصافه بالتحريم أو الكراهة من مكارم الأخلاق وعمله من سفساف الأخلاق وترك العمل فيه عمل روحاني لا جسماني لأنه ترك لا وجود له في العين وأما العمل الذي تعلق به التخيير وهو المباح فعمله من مكارم الأخلاق مع نفسك دنيا لا آخرة فإن اقترن مع العمل كونك عملته لكونه مباحا مشروعا كان من مكارم الأخلاق مع الله ومع نفسك دنيا وآخرة وكذلك حكمه في ترك المباح على هذا التقسيم سواء فجميع الأقسام تتعلق بالعبد وقسم المباح يتعلق بالحر وقسم المكروه والمندوب إليه يتعلق بالحر وفيه من روائح العبودية شمة لا حقيقة فهذا قد حصر لك هذا المنزل منازل الشقاء والسعادة وأبانها لك معينة أي عينت لك من أين تعلمها وهو معرفة الشرع الذي أنت عليه فإن كان الإنسان ممن لم تبلغه الدعوة فمكارم الأخلاق في حقه ما قررها العقل من وجود الغرض والكمال وملائمة المزاج كشكر المنعم الذي هو من مكارم الأخلاق عقلا وشرعا وكفر النعمة من سفساف الأخلاق عقلا وشرعا وما كلف الله نفسا إلا وسعها سواء بلغتها الدعوة أو لم تبلغها فإن للشرع في عملها حكما في نفس الأمر ويعفى عنه فيما أتته من سفساف الأخلاق حيث لم تبلغها الدعوة والعفو عن ذلك من مكارم الأخلاق الإلهية فالحق أولى بصفات الكرم من العبد بل هي له حقيقة وفي العبد بعناية التوفيق ومما يتعلق بهذا المنزل من المكارم التعاون على شكر المنعم والتعاون على تلقي البلاء من المبلى بأن لا يستند في ارتفاع البلاء عنه إلا لمن أنزله به وهو الله تعالى فإن أنزله بالغير فهو من سفساف الأخلاق وإن أنزله بالله كان من مكارم الأخلاق والعبد في الحالتين طالب رفع البلاء عنه والبلاء عبارة عن وجوده وإحساسه بالألم لا غير وفي هذا المقام يغلط كثير من أهل الطريق فيحبسون نفوسهم عن الشكوى إلى الله فيما نزل بهم والشبهة في ذلك لهم أنهم يقولون لا نعترض عليه فيما يجريه علينا فإنه يؤثر في حال الرضاء عنه فيقال لهم قد حصل مقام الرضاء بمجرد إحساسه وعدم طلب رفعه وذلك حد الرضاء لا استصحابه فإن النفس كارهة لوجود الألم ولذا عبرنا عن البلاء بالألم لا بسببه وينبغي للعبد أن يسأل الله تعالى أن يرفع عنه ما نزل به لما يؤدي به إليه من كراهة فعل الله به ولا بد من كراهته طبعا لأن الألم يوجب حكمه لنفسه والفعل في إنزاله إنما هو لله فيتضمن كراهة الألم كراهته طبعا لأن الألم يوجب حكمه وجوده ووجود الألم لم يكن لنفسه وإنما أوجده الله في هذا العبد فتتعلق الكراهة حالا وضمنا بالجناب العزيز فلهذا وقع من الأكابر رب
(٦١٧)