المرقوم وما أودع فيه من المعاني من غير فكر فيه إذ كان الفكر في نفسه غير معصوم من الغلط في حق كل أحد ولهذا قال والراسخون في العلم يقولون ربنا لا تزع قلوبنا يعني بالفكر فيما أنزلته بعد إذ هديتنا إلى الأخذ منك علم ما أنزلته إلينا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب فسأله من جهة الوهب لا من جهة الكسب ولهذا جعلنا الضمير يعود على الذين أكلوا من فوقهم يقول ومن تحت أرجل هؤلاء أمم منهم أمة مقتصدة وهم أهل الكسب وهم الذين يتأولون كتاب الله ولا يقيمونه بالعمل الذي نزل إليه ولا يتأدبون في أخذه وهم على قسمين القليل منهم المقتصد في ذلك وهو الذي قارب الحق وقد يصيب الحق فيما تأوله بحكم الموافقة لا بحكم القطع فإنه ما يعلم مراد الله فيما أنزله على التعيين إلا بطريق الوهب وهو الإخبار الإلهي الذي يخاطب به الحق قلب العبد في سره بينه وبينه ومن لم يقتصد في ذلك وتعمق في التأويل بحيث إنه لم يترك مناسبة بين اللفظ المنزل والمعنى أو قرر اللفظ على طريق التشبيه ولم يرد علم ذلك إلى الله فيه وهم الذين قال الله فيهم في الآية عينها وكثير منهم ساء ما يعملون وأي سوء أعظم من هذا وهؤلاء هم القسم الثاني ولما شاهد الرسول هذا الأمر وقد بعث رحمة بما نزل به ورأى الكثير لم تصبه هذه الرحمة وأن علة ذلك إنما كان تأويلهم بالوجهين من التشبيه أو البعد عن مدلول اللفظ بالكلية تحير في التبليغ وتوقف حتى يرى هل يوجب ذلك عليه ربه أم لا فأنزل الله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وقيل له ما عليك إلا البلاغ وقيل له ليس عليك هداهم فيما يجري منهم من خير وشر وقيل له إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء فعلم الرسول أن المراد منه التبليغ لا غير فبلغ صلى الله عليه وسلم وما أخفى مما أمر بتبليغه شيئا أصلا فإنه معصوم محفوظ قطعا في التبليغ عن ربه ما أمر بتبليغه وما خص به فهو فيه على ما يقتضيه نظره فالتقدير في الآية على التفسير ومن تحت أرجلهم أمم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ولهذا قال لنبيه وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله وقال ما يعلمهم إلا قليل فأشرف العلوم ما ناله العبد من طريق الوهب وإن كان الوهب يستدعيه استعداد الموهوب إليه بما اتصف به من الأعمال الزكية المشروعة ولكنه لما لم يكن ذلك شرطا في حصول هذا العلم لذلك تعالى هذا العلم عن الكسب فإن بعض الأنبياء تحصل لهم النبوة من غير أن يكونوا على عمل مشروع يستعدون به إلى قبولها وبعضهم قد يكون على عمل مشروع فيكون ذلك عين الاستعداد فربما يتخيل من لا معرفة له أن ذلك الاستعداد لولاه ما حصلت النبوة فيتخيل أنها اكتساب والنبوة في نفسها اختصاص إلهي يعطيه لمن شاء من عباده وما عنده خبر بشرع ولا غيره ولا يعرف من هو ولا بما هو الأمر عليه فلو كان الاستعداد ينتج هذا العلم لوجد ذلك في الأنبياء ولم يقع الأمر كذلك فإن النبوة غير مكتسبة بلا خلاف بين أهل الكشف من أهل الله وإن كان اختلف في ذلك أهل الفكر من العقلاء فذلك من أقوى الدلالات عندنا على إن الفكر يصيب العاقل به ويخطئ ولكن خطؤه أكثر من إصابته لأن له حدا يقف عنده فمتى ما وقف عند حده أصاب ولا بد ومتى جاوز حده إلى ما هو لحكم قوة أخرى يعطاها بعض العبيد قد يخطئ ويصيب عصمنا الله وإياكم من غلطات الأفكار وجعلنا من الذاكرين المذكورين بفضله لا رب غيره ولنا فيما ذكرناه آنفا نظم كتبت به إلى بعض الإخوان سنة إحدى وستمائة من مدينة الموصل في النبوة إنها اختصاص من الله تعالى ولذلك لا يشوب رائقها كدر ألا إن الرسالة برزخية * ولا يحتاج صاحبها لنية إذا أعطت بنيته قواها * تلقتها بقوتها البنية وإن الاختصاص بها منوط * كما دلت عليه الأشعرية وهذا الحق ليس به خفاء * فدع أحكام كتب فلسفية في أبيات كثيرة ولكن قصدنا إلى الأمر الذي يطلبه هذا الموضع منها ولتعلم إن سبب ظهور الأكدار إنما هو قرار الماء وسكونه لطلب الراحة من الحركة في غير موضعها ومحلها ولذلك كنينا عن هذه الحالة بالحوض لأن فيه قرار الماء وسكونه وقد قلنا في باب الغزل والنسيب أصف نزاهة المعشوق في نفسه
(٥٩٥)