أتتك فتوح الكون بالبلد القفر * مؤيدة بالعز والقسر والنصر وبالليلة الغراء جاءت ركائب * من العالم العلوي في كنف الغفر فراجع إذا راجعت ربك وحده * بتنزيه إيمان تولد عن ذكر يراجعك من عرش وإن شاء من عمي * بغير هواء حار في كونه فكري قال تعالى ثم قضى أجلا وهو نهاية عمر كل حي يقبل الموت وأجل مسمى عنده وهو ميقات حياة كل من كان قبل الموت في حياته الأولى وهو المعبر عنه بالبعث ولذلك قال تعالى ثم أنتم تمترون يعني فيه فإن الموت لا يمترون فيه فإنه مشهود لهم في كل حيوان مع الأنفاس وإنما وقعت المرية في البعث وهو الأجل المسمى المذكور وإنما لم يجعل أجل الموت مسمى لأن الله يقول ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله فاستثني طائفة لا يصعقون فلا يموتون فأما أن يكونوا لكونهم على حقائق لا تقبل الموت فيكون استثناء منقطعا وإما أن يكونوا على مزاج يقبل الموت لكن لم يسمعوا النفخ فلم يدركهم فلم يصعقوا فيكون استثناء متصلا فاعلم أيها السامع أن أهل الله إذا جذبهم الحق إليه سبحانه من مريد ومراد جعل في قلوبهم داعية إلى طلب سعادتهم فبحثوا عليها وفحصوا عنها ووجدوا في قلوبهم رقة وخشوعا وطلبا للسلامة مما الناس عليه من التكالب والتحاسد والتدابر والتنافر فإذا وفوا مكارم الأخلاق أو قاربوا ذلك وجدوا في أنفسهم داعية إلى الخلوات والانفراد عن الناس فمنهم من أخذ في السياحة ولازم الجبال والفلوات ومنهم من كانت سياحته في البلاد كل ما أنس به أهل بلدة أو عرف فيها رحل عنها إلى غيرها ومنهم من عزل في مسكنه بيتا وانفرد به واحتجب عن الناس كل ذلك ليقع له التفرد بالحق الذي دعاه إليه والأنس به لا ليعلم ولا ليجد كونا من الأكوان من خرق عادة في ظاهر الحس أو في سره فلا يزال على كل ما ذكرناه إلى أن ينقدح له في نفسه لبعضهم أو في خياله لبعضهم أو من خارج لبعضهم من جانب الحق ما يحول بينه وبين نفسه ويستوحش من ذلك الوارد عليه ويطلب الأنس بالمخلوق في تلك الساعة فإذا سكت حكم الوارد عنه وعاد إلى حسه اشتاق إليه اشتياقا شديدا واستفرغ في محبة ذلك الوارد استفراغا عظيما ووجد حلاوته عند فقده وسرت اللذة في حسه وروحه ويأتيه في ذلك الوارد خطاب وتعريف بحاله أو بما يدعى إليه كإبراهيم بن أدهم حين نودي من قربوس سرجه ليس لهذا خلقت ولا بهذا أمرت وآخر قيل له إن كنت تطلبني فقد فقدتني في أول قدم وآخر قيل له أنت عبدي فإن كان صاحب هذا الانقطاع من أصحاب الجبال والقفار جعل له الأنس في الحيوان وإن كان سائحا في البلدان جعل له الأنس في الحركة ما بين المدينتين وإن كان ممن لزم بيته جعل له الأنس في الروحانيات وكل هذا ابتلاء إلا أن يجعل الله له الأنس في الأرواح النورية الملكية فهذا يرجى فلاحه بل يتحقق وهي بشرى من الله سارعت إليه عناية منه به وما عدا هذا فهو على خطر عظيم فليعمل في قطعه ثم إنه منهم من يظلم عليه الجو عند الوارد فيجد لذلك غما وضيق صدر وعصرا في قلبه فليصبر فإنه يعقبه اتساع وانشراح ثم لا تزال الأرواح تلزمه في عالم خياله في أكثر حالاته وتظهر له في الحس في أوقات فلا يرمي بذلك ولا يزهد فيه ويتعمل في إزالة التعلق به ويقف مع الفائدة التي يأتيه بها فذلك المطلوب فإن سمع خطابا من وراء حجاب نفسه فليلق السمع وهو شهيد ويع ما يسمع فإن اقتضى الكلام جوابا على قدر فهمك فلتجب بقدر فهمك فإن رزقت العلم بذلك فهي العناية الكبرى وإن لم يقتض جوابا فلتحصل ما قيل لك في خزانة حفظك فإن له موطنا يحتاج إليه فيه ولا بد فيكون عندك بحكم الاستعداد لذلك الوقت فإن الله سبحانه يقول أعددت فإذا كان الحق مع نفوذ قدرته في الآن قد أعد أمور الأوقات ظهور أحكامها فالمخلوق أولى بهذا وقال وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وإن هنا بمعنى ما فعم بها وبشئ وجعله مخزونا في خزائن غيبه عنا ولهذا قلنا إن الكون صادر من وجود وهو ما تحويه هذه الخزائن إلى وجود وهو ظهورها من هذه الخزائن لأنفسها بالنور الذي تكشف به نفسها فإنها في ظلمة الخزائن محجوبة عن رؤية ذاتها فهي في حال عدمها وقال وما تنزله إلا بقدر معلوم فما يتميز عنده إلا ما هو موجود له ولا يجري القدر إلا في عين مميزة عن غيرها وليس هذا صفة المعدوم من كل وجه فدل ذلك كله على وجود الأعيان لله
(٥٨٧)