الأمر بتوحيد الله فلا يكون فيه توحيد الحق نفسه ويتعلق به التقليد في التوحيد لأن الأمر لا يتعلق بمن يعطيه الدليل ذلك إلا أن يكون متعلق الأمر الاستدلال لا التعريف على طريق التسليم أو الاستدلال بالتنبيه على موضع الدلالة مثل قوله إذا لذهب كل إله بما خلق وكقوله لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وكقوله لم يلد ولم يولد ومن فصول هذا المنزل قوله تعالى ما اتخذ صاحبة ولا ولدا لعدم الكفاءة إذ لم يكن له كفوا أحد فلو كانت الكفاءة موجودة لجاز ذلك قال عز وجل ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن فجعل الكفاءة بالدين وقوله لو أراد الله أن يتخذ ولدا فجعله من قبيل الإمكان فقال لاصطفى والاصطفاء جعل والمجعول ينافي الكفاءة للجاعل وأين مرتبة الفاعل من المفعول ومن فصول هذا المنزل التنزيه أن يكون مدركا بالمقدمات التي تنتج وجوده أو المعرفة به تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ومن فصول هذا المنزل إنه لا يكون مقدمة لإنتاج شئ للتركيب الذي يتصف به المقدمات والسبب الرابط في المقدمات فيستدعي المناسبة والمناسبة بين الخلق والحق غير معقولة ولا موجودة فلا يكون عنه شئ من حيث ذاته ولا يكون عن شئ من حيث ذاته وكل ما دل عليه الشرع أو اتخذه العقل دليلا إنما متعلقة الألوهة لا الذات والله من كونه إلها هو الذي يستند إليه الممكن لإمكانه فلنذكر ما يتعلق بفصول هذا المنزل على الاختصار إن شاء الله أعلم أن هذا المنزل هو الرابع من منزل العظمة في حق أصحاب البدايات وهو الحادي عشر والعاشر ومائة في حق الأكابر الروحانيين ولما كانت الحضرة الإلهية تنقسم إلى ثلاثة أقسام ذات وصفات وأفعال كان هذا المنزل أحدها وهو الثالث منها ولما كانت الصفات على قسمين صفة فعل وصفة تنزيه كان هذا المنزل صفة التنزيه منهما فأما تنزيه التوحيد فهو أن هذا التوحيد الذي ننسبه إلى جناب الحق منزه أن ينسب إلى غير الحق فهو المنزه على الحقيقة لا الحق وإنما قلنا هذا لأنه يجوز أن يوصف به غير الحق فيما يعطيه اللفظ كما وقعت المشاركة في إطلاق لفظة الوجود والعلم والقدرة وسائر الأسماء في حق الحق والخلق فهذا المنزل ينزه هذا التوحيد المنسوب إلى الله أن يوصف به غيره فإنه توحيد الذات من جميع الوجوه ولا يوصف بهذا التوحيد غيره لا في اللفظ ولا في المعنى وكانت ذات الحق المنسوب إليها هذا التوحيد لا يتعلق بها تنزيه لأنه لا يجوز عليها فتبعد عن وصفها الذي يجوز عليها إذ كانت في نفس الأمر منزهة لا بتنزيه منزه وأما إذا كان تنزيه التوحيد متعلقة الحق سبحانه فيكون منزها من حيث ذاته بلسان عين هذا الوصف الذي هو التوحيد له كثناء لسان صفة الكرم بالكريم لقيامه به لا بقول القائل ودليل الناظر إنه سبحانه واحد فقد كان له هذا الوصف ولا أنت وله هذا الوصف وأنت أنت وإذا كان هذا الأمر على هذا الحد فما ثم موجود يصح أن يضمر قبل الذكر إلا من يستحق الغيب المطلق الذي لا يمكن أن يشهد بحال من الأحوال فيكون ضمير الغيب له كالاسم الجامد العلم للمسمى يدل عليه بأول وهلة من غير أن يحتاج إلى ذكر متقدم مقرر في نفس السامع يعود عليه هذا الضمير فلا يصح أن يقال هو إلا في الله خاصة فإذا أطلق على غير الله فلا يطلق إلا بعد ذكر متقدم معروف بأي وجه كان مما يعرف به فيقال هو وعين محل هذا الضمير مشهود عند من لا يصح أن يقال فيه هو لحضوره عنده فيزول عنه اسم الهو بالنظر إلى ذلك ويثبت له اسم الهو بالنظر إلى من غاب عنه فإن قيل إذا صح ما قررته فإنه سبحانه مشهود لنفسه فيزول عنه الهو بالنظر إلى شهوده نفسه فإذا الهو ليس له بمنزلة الاسم العلم كما زعمت قلنا وإن شهد نفسه فإن الهوية معلومة غير مشهودة وهي التي ينطلق عليها اسم الهو هذا على مذهبنا وهو مذهب أهل الحق كيف وثم طائفة تقول إنه لا يعلم نفسه فلا يزال الهو له منا ومنه قال تعالى في أول سورة الإخلاص لنبيه عليه السلام قل هو الله أحد فابتدأ بالضمير ولم يجر له ذكر متقدم يعود عليه في نفس القرآن وإن كانت اليهود قد قالت له انسب لنا ربك فربما يتوهم صاحب اللسان أن هذا الضمير يعود على الرب الذي ذكرته اليهود ولتعلم إن هذا الضمير لا يراد به الرب الذي ذكرته اليهود لأن الله يتعالى أن يدرك معرفة ذاته خلقه ولذلك قال هو الله وما ذكر في السورة كلها شيئا يدل على الخلق بل أودع تلك السورة التبري من الخلق فلم يجعل المعرفة به نتيجة عن الخلق فقال تعالى ولم يولد ولم يجعل الخلق في وجوده نتيجة عنه كما يزعم بعضهم بأي نسبة كانت فقال تعالى لم يلد
(٥٧٩)