وكان شقيا فإن قال قائل كيف يكون النداء من اسم إلهي ويقف الكون عن إجابته مع ضعفه وقبوله للاقتدار الإلهي قلنا لم تكن إبايته عن إجابته من حيث نفسه وحقيقته لأنه مقهور دائما ولكن لما كان تحت قهر اسم إلهي لم يتركه ذلك الاسم أن يجيب من ناداه فالتنازع وقع بين الأسماء الإلهية وهم أكفاء والحكم لصاحب اليد وهو الاسم الذي هو في يده في وقت نداء الاسم الآخر فلهذا كان أقوى للحال فإن قلت فلما ذا يؤاخذ بالإباية قلنا لأنه ادعى الإباية لنفسه ولم يضفها إلى الاسم الإلهي الذي هو تحت قهره فإن قلت فالأمر باق فإنه إنما أبي لقهر اسم إلهي كانت الإباية عنه في هذا المدعو قلنا صدقت ولكنه جهل ذلك فأخذ بجهله فإن الجهل له من نفسه فإن قلت فإن جهله من اسم إلهي حكم عليه قلنا الجهل أمر عدمي لا وجودي والأسماء الإلهية تعطي الوجود ما تعطي العدم فالعدم للمدعو من نفسه والجهل عدم العلم فلم يدر المعترض ما اعترض به والأسماء الإلهية لا تعطي إلا الوجود فلم يلزم ما ذكرته وانقطع الاعتراض من هذا القائل بما ذكرناه وإذا ثبت أن النداء يعم فالمنادي به أيضا يعم ولكن نداء الحق لا يكون إلا بما يكون في إجابته السعادة للعبد وأما النداء بما يكون فيه الشقاوة للعبد فذلك ليس نداء الحق والنداء من صفة الكلام فكل فعل يفعله العبد ينقسم إلى أمرين إلى فعل فيه سعادة ذلك العبد وهو الذي يقترن به نداء الحق تعالى وفعل لا يقترن به سعادة العبد فليس عن نداء الحق لكنه عن إرادة الحق وخلقه لا عن ندائه وأمر شرعه ونفي السعادة فيه على قسمين الواحد أن يكون فعلا لا يقترن به شقاوة ولا سعادة أو يكون فعلا تقترن به شقاوة والفعل الذي تقترن به الشقاوة على قسمين قسم تقترن به على الأبد وهي شقاوة الشرك وشقاوة لا تقترن به على الأبد وهو كل فعل لا يكون شركا ولا نداء للحق فيه البتة فهذا المنزل هو منزل النداء لا منزل الأفعال وسيأتي إن شاء الله منازل الأفعال ويشتبه على بعض العارفين هذا المنزل وإخوانه بمنزل الأفعال لكونه يرى النداء بالأفعال وليس المنزل واحدا في ذلك بل النداء له منزل والفعل له منزل واعلم أن النداء على مراتب لكل مرتبة أداة معينة فالأدوات الهمزة ويا وأيا وهيأ وأي مسكنة الياء فأقربها الهمزة في الرتبة وأبعدها هيأ والنداء قد يصحبه التنبيه وقد لا يصحبه التنبيه فإذا كان النداء بأي فهو نكرة فلا بد من التنبيه لأن النداء إنما يطلب التعريف وهو بنفس المنادي فلا بد أن يصحب هاء التنبيه لأي في النداء لأن التنبيه تعريف ثم يردف التنبيه باسم المنادي ليعرف المنادي أنه منادى دون غيره فإن كان اسمه ناقصا كالذين فلا بد له من صلة وهو الذي يصفه به ليتم به المقصود ولا بد من رابط بين هذه الصلة والموصول ليعلم أنه المراد بذلك النداء وإن لم يردف باسم ناقص لم يحتج إلى ما ذكرناه فيقال يا أيها الناس وأمثال هذا وأما إذا لم يقترن بالنداء أي فإن النداء يتصل باسم المنادي وقد يكون منادى منكورا مطولا مثل قوله تعالى يا حسرة على العباد ومثل قوله يا عجبا قال الشاعر يا عجبا لهذه الفليقه * هل تذهبين القر بالربيقه وقد يكون منادى يعرف مثل يا جبال أوبي معه ولا يكون ما بعد النداء أبدا إلا منصوبا إما لفظا وإما معنى ولهذا عطف بالمنصوب على الموضع في قوله تعالى والطير بالنصب عطفا على موضع يا جبال وإن كان مرفوعا في اللفظ فقد يراعي اللفظ في أوقات ولهذا قرئ أيضا والطير بالرفع ولكل فصل من هذه الفصول حقائق إلهية لولا التطويل لذكرناها فصلا فصلا فتركناها لمن يقف على كلامنا من العارفين كالتنبيه لهم على ما يتضمنه منزل النداء من المعاني الإلهية وأن الكون مرتبط بعضه ببعض ارتباط المعاني بالكلمات وربما جعلوا الواو من أدوات النداء ولكن خصوها بنداء خاص لحال خاص بخلاف سائر الأدوات فخصوها بالانتداب فينا دون الميت وا جبلاه وا سنداه وبه يعذب الميت الملك يطعنه في خاصرته أن هكذا كنت ويقولون وا زيداه وا سلطاناه ولا بد في هذا النداء من إدخال الهاء هاء السكت في آخره لأنه ليس من شرط هذا النداء أن يقال بعده شئ فلهذا أدخل هاء السكت عليه فيكتفي به فيقول وا جبلاه وا حزناه ولا يحتاج إلى أمر آخر وإذا قلت يا زيد وناديته بسائر حروف النداء من غير نداء الندبة فلا بد أن تذكر السبب الذي ناديته من أجله فتقول يا جبال أوبي معه يا أيها الذين آمنوا أوفوا يا أيها الناس اتقوا فلا تكون هاء السكت إلا في نداء الندبة خاصة وأما النداء المرخم فإنهم يريدون به تسهيل الكلام ليخف على المنادي ليصل إلى المقصود مسرعا بما
(٥٩٣)