تعالى في حال اتصافها بالعدم لذاتها وهذا هو الوجود الأصلي الإضافي والعدم الإضافي فثبتت الأحوال للعالم ولكل ما سوى الله وأن الوجود ليس عين الموجود إلا في حق الحق سبحانه حتى لا يكون معلولا لوجوده فإنه لو كان معلولا لوجوده لكان حالا له تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فإذا خلص الإنسان بعد خروجه من ظلمة طبعه وهواه إلى نور عقله وهداه أربعين صباحا ظهر عنه مثل ما ظهر له وأخذ عنه مثل ما أخذ وتلك أول درجة الدينار الثالث وأول قيراط منه ولا يزال فيه حتى يجب عليه أن يطلب على من يأخذ عنه فإذا وجب عليه ذلك وجوبا شرعيا كفروض الأعيان كلها كان ذلك أول قيراط من الدينار الرابع وسمي رجلا عند ذلك وإن لم يحصل له هذا الوجوب فليس برجل فكمال الرجولية فيما ذكرناه وسواء كان ذكرا أو أنثى وأما الكمال الذاتي وهو غير كمال الرجولية فهو أن لا يتخلل عبوديته في نفسه ربانية بوجه من الوجوه فيكون وجودا في عين عدم وثبوتا في عين نفي ولذلك أوجده الحق فكمال الرجولية عارض وكمال العبودة ذاتي فبين المقامين ما بين الكمالين وأما درجات منازل هذين الكمالين فمعلومة عندنا حيث هي فدرجة الكمال الذاتي في نفس الحق ودرجات الكمال العرضي في الجنان فلهؤلاء النور ولهؤلاء الأجور قال تعالى لهم أجرهم يعني من كمالهم العرضي وما يستحق الأجر من كل أمر عرضي ولهم نورهم من كمالهم الذاتي الله نور السماوات والأرض وتقول الرسل قاطبة وهم الكمل بلا خلاف إن أجري إلا على الله فإن ذلك المقام يعطي الأجر ولا بد فيقع التفاضل في الكمال العرضي ولا يقع في الكمال الذاتي قال تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض وقال هم درجات عند الله ولم يقل لهم درجات عند الله فجعلهم أعيان الدرجات لأنهم عين الكمال الذاتي وبالكمال العرضي لهم الدرجات الجنانية فاعلم ذلك جعلنا الله ممن جمع بين الكمالين فإن حرمنا الجمع فالله يجعلنا من أهل الكمال الذاتي بمنه وكرمه وأنا أرجو من الله إني قد حصلته تحصيلا لا يحال بي دونه بحسن ظني بربي فما أعلاه من مشهد فإذا حصل للعبد هذا الكمال العرضي ورأى الإجابة الكونية لندائه من غير طلب دليل ولا برهان علم قطعا إن الحق قد تجلى لقلوب عباده وأنه سبحانه قد رفع الوساطة في أمره بينه وبين قلوب عباده فإن أمره سبحانه برفع الوسائط لا يتصور أن يعصى لأنه بكن إذ كن لا تقال إلا لمن هو موصوف بلم يكن وما هو موصوف بلم يكن ما يتصور منه إباية وإذا كان الأمر الإلهي بالوساطة فلا يكون بكن فإنها من خصائص الأمر العدمي الذي لا يكون بواسطة وإنما يكون الأمر بما يدل على الفعل فيؤمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فيقال له أقم الصلاة وآت الزكاة فاشتق له من اسم الفعل اسم الأمر فيطيعه من شاء منهم ويعصيه من شاء منهم فإذا أطاعوه كما قد ذكرنا بهذا التجلي الإلهي لقلوب عباده الذي لا يحتاج فيه المأمور إلى دليل ولا برهان لوجود الإجابة من نفسه ضرورة لأن الضرورة إنما تصورت هنا لكون الإنسان لا يقدر على دفع ما تكون في نفسه فإن كن إنما تعلقت بما تكون في نفس الإنسان فكان الحكم لما تكون فيمن تكون فآمن ولا بد أو صلى ولا بد أو صام ولا بد على حسب ما تعطيه حقيقة الأمر الذي تعلق به كن وقد يرد أمر الواسطة ولا يرد الأمر الإلهي فلا يجد المخاطب آلة يفعل بها فيظهر كأنه عاص وإنما هو عاجز فاقد في الحقيقة لأنه ما تكون فيه ما أمر به أن يتكون عنه والله الغني الحميد واعلم أن الفتوح الإلهي الذي يتعلق بالكون مثل النصر على الأعداء والقهر لهم والرحمة بالأولياء والعطف عليهم إنما هو من نتائج الرجولة لا من غيرها فإذا حصل هذا المقام وأكمل نشأته ناداه الحق في سره من كماله سبحانه لكمال العبد الذاتي فنزه ذات موجدة عن الكمال العرضي وهو الكمال الإلهي فإن الكمال الإلهي بالفعل فهو في نفوذ الاقتدار في المقدورات ونفوذ الإرادة في المرادات وظهور أحكام الأسماء الإلهية والكمال الذاتي للذات الغني المطلق عن هذا كله فيكون العبد في هذا المقام لا يشهد ذات موجدة من كونها موصوفة بالألوهة وإنما مشهده غناها عما تستحقه الألوهة من الآثار الكونية فيفتقر إليها افتقارا ذاتيا فهو في عبادته تلك صاحب عبادة ذاتية من غير اقتران أمر بها لأن الأمر إنما متعلقة الأمور العارضة لا الذاتية فلا يقال للعبد كن عبدا فإنه عبد لذاته وإنما يقال له اعمل كذا أيها العبد وعمله أمر عرضي والعمل متعلق الأمر من العبد وقد يعمل وقد لا يعمل وهذا المنزل يعطي جميع ما ذكرناه ويكون تنزيهه لذات موجدة بما يستحقه من الثناء الذي يليق بالكمال الذاتي
(٥٨٨)