وتشهده به في كل شئ * وليس له الوراء ولا الأمام تؤم به وتقصده وما هو * بمقصود لنا وهو الإمام وتسكن عند رؤيته سكونا * يكون به التحقق والسلام المشاهدة عند الطائفة رؤية الأشياء بدلائل التوحيد ورؤيته في الأشياء وحقيقتها اليقين من غير شك قالت بلقيس كأنه هو وهو كان لم يكن غيره فطلبنا عين السبب الموجب لجهلها به حتى قالت كأنه هو فعلمنا إن ذلك حصل لها من وقوفها مع الحركة المعهودة في قطع المسافة البعيدة وهذا القول الذي صدر منها يدل عندي أنها لم تكن كما قيل متولدة بين الإنس والجان إذ لو كانت كذلك لما بعد عليها مثل هذا من حيث علمها بأبيها وما تجده في نفسها من القوة على ذلك حيث كان أبوها من الجان على ما قيل فهذا شهود حاصل وعين مشهودة وعلم ما حصل لأن متعلق العلم المطلوب هنا إنما هو نسبة هذا العرش المشهود إليها كما هو في نفس الأمر ولم تعلم ذلك كما إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما رأت جبريل في صورة دحية ما قالت كأنه هو وإنما قالت هو دحية ولم يكن في نفس الأمر دحية وهذا على النقيض من قصة بلقيس واشتركا في الشهود وعدم العلم بالمشهود من حيث نسبته لا من حيث ما شوهد والسبب في هذا الجهل أنهم ما علموا من دحية إلا الصورة الجسدية لا غير فما علموا دحية على الحقيقة وإنما علموا صورة الجسم التي انطلق عليها اسم دحية وعلى الحقيقة ما انطلق الاسم إلا على الجملة فتخيلوا لما شاهدوا الصورة أن الكل تابع لهذه الصورة وليس الأمر كذلك فإن البصر يقصر عن إدراك الفارق بين القوتين في الشبه إذا حضر أحدهما دون الآخر فلو حضرا معا عنده لفرق بينهما بالمكان والمسألة في نفسها شديدة الغموض ولا سيما في العلم الإلهي لأن النفس الناطقة التي هي روح الإنسان المسماة زيد إلا يستحيل عليها إن تدبر صورتين جسميتين فصاعدا إلى آلاف من الصور الجسمية وكل صورة هي زيد عينها ليست غير زيد ولو اختلفت الصور أو تشابهت لكان المرئي المشهود عين زيد كما تقول في جسم زيد الواحد مع اختلاف أعضائه في الصورة من رأس وجبين وحاجب وعين ووجنة وخد وأنف وفم وعنق ويد ورجل وغير ذلك من جميع أعضائه أي شئ شاهدت منه تقول فيه رأيت زيدا وتصدق كذلك تلك الصور إذا وقعت ويدبرها روح واحد إلا إن الخلل وقع هنا عند الرؤية لعدم اتصال الصور كاتصال الأعضاء في الجسم الواحد فلو شاهد الاتصال الذي بين الصور لقال في كل صورة شهدها هذا زيد كما يفعل المكاشف إذا شاهد نفسه في كل طبقة من طباق الأفلاك لأن له في كل فلك صورة تدبر تلك الصور روح واحدة وهي روح زيد مثلا وهذا شهود حق في خلق قالت الطائفة في المشاهدة إنها تطلق بإزاء ثلاثة معان منها مشاهدة الخلق في الحق وهي رؤية الأشياء بدلائل التوحيد كما قدمناه ومنها مشاهدة الحق في الخلق وهي رؤية الحق في الأشياء ومنها مشاهدة الحق بلا الخلق وهي حقيقة اليقين بلا شك فأما قولهم رؤية الأشياء بدلائل التوحيد فإنهم يريدون أحدية كل موجود ذلك عين الدليل على أحدية الحق فهذا دليل على أحديته لا على عينه وأما إشارتهم إلى رؤية الحق في الأشياء فهو الوجه الذي له سبحانه في كل شئ وهو قوله إذا أردناه فذلك التوجه هو الوجه الذي له في الأشياء فنفى الأثر فيه عن السبب إن كان أوجده عند سبب مخلوق وأما قولهم حقيقة اليقين بلا شك ولا ارتياب إذا لم تكن المشاهدة في حضرة التمثل كالتجلي الإلهي في الدار الآخرة الذي ينكرونه فإذا تحول لهم في علامة يعرفونه بها أقروا به وعرفوه وهو عين الأول المنكور وهو هذا الآخر المعروف فما أقروا إلا بالعلامة لا به فما عرفوا إلا محصورا فما عرفوا الحق ولهذا فرقنا بين الرؤية والمشاهدة وقلنا في المشاهدة إنها شهود الشاهد الذي في القلب من الحق وهو الذي قيد بالعلامة والرؤية لبست كذلك ولهذا قال موسى رب أرني أنظر إليك وما قال أشهدني فإنه مشهود له ما غاب عنه وكيف يغيب عن الأنبياء وليس يغيب عن الأولياء العارفين به فقال له لن تراني ولم يكن الجبل بأكرم على الله تعالى من موسى وإنما أحاله على الجبل لما قد ذكر سبحانه في قوله لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون والجبل من الأرض وموسى من الناس فخلق الجبل أكبر من خلق موسى من طريق المعنى أي نسبة الأرض والسماء إلى جانب الحق أكبر من خلق الناس من حيث ما فيهم من
(٤٩٥)