إلا في الحضرة البرزخية وإن كان الله قد أتحفنا برؤيتها حسا بمدينة قرطبة يوما واحدا اختصاصا إلهيا وورثا نبويا محمديا وهذه الأنوار الرياحية لها سلطان وقوة على جميع بني آدم إلا أهل الله فإن هذه الأنوار تندرج في أنوارهم اندراج أنوار الكواكب في نور الشمس وذلك لضعف نور البصر وإذا غشيت هذه الأنوار من شاء الله من العامة لا تغشاه إلا كالسحاب المظلم وإذا غشيت أهل الله لا تغشاهم إلا وهي أنوار على هيأتها وأما أنوار الأرواح فمنا من يجعلها أنوار العقول ومنا من يجعلها أنوار الرسل ولها القوة والسلطان والنفوذ في الكون لا يقف لها شئ غير أن لها حدودا تقف عندها لا تتعداها إذا شاهدها العبد يكشف بها ما غاب من العلوم المضنون بها على غير أهلها وهي أنوار سبوحية قدوسية تنزل من الحق المخلوق به إلى سدرة المنتهى وتطرح شعاعاتها على قلوب العارفين أهل الشهود التام فقلوبهم مطارح شعاعات هذه الأنوار وليس في هذا الصنف الإنساني أكمل منهم في العلم فإن هذه الأنوار لا يقف لها حجاب إلا المشيئة الإلهية خاصة وقليل من عباد الله من تطرح على قلبه هذه الأنوار شعاعاتها على الكشف وهي مجالي الصادقين من عباد الله تعالى وأما أنوار الأنوار فهي السبحات التي لو كشف الحق الحجاب الذي يسترها عنا لاحترقنا هي أشعة ذاتية إذا انبسطت ظهرت أعيان الممكنات فالممكنات هي الحجاب بيننا وبينها وهذا هو النور العظيم لا الأعظم إليه الإشارة بقوله تعالى في حق أهل الكتب الإلهية المنزلة بالأعمال المشروعة بقوله ولو أنهم أقاموا التوراة وهم الموسويون والإنجيل وهم العيسويون وما أنزل إليهم من ربهم وهم أصحاب الصحف وما بقي من الكتب لأكلوا من فوقهم وهي علوم خارجة عن الكسب ومن تحت أرجلهم وهي علوم دخلت تحت الكسب فهي من علوم التحت والفوق وإنه إذا كان النور بهذه الصفة لم يكن من تحتنا بل يكون هو الذي يصرفنا وأما النور الذي يكون من تحتنا فهو الذي نحكم عليه وهو المعبر عنه بالأكل من تحت الأرجل وأما النور الذي هو عين ذاتنا فهو كما دعا فيه صلى الله عليه وسلم واجعلني نورا فهو عين ذاته ورواية واجعل لي نورا هو جميع ما ذكرنا من الأنوار وأما قوله اجعلني نورا فهو مشاهدة نور ذاته إذ لا يشهد إلا به فإن ذاته ما قبلت هذه الأنوار من هذه الجهات الست إلا لعدم إدراكها نور نفسها الذي قال في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرف نفسه عرف ربه والله نور السماوات والأرض ومثله بما مثله وهو أنت عين ذلك الممثل والمثل فتشاهد الأنوار منفهقة منك يتنور بذاتك عالم سماواتك وأرضك فما تحتاج إلى نور غريب تستضئ به فأنت المصباح والفتيلة والمشكاة والزجاجة وإذا عرفت هذا عرفت الزيت وهو الإمداد الإلهي وعرفت الشجرة وإذا كانت الزجاجة كالكوكب الدري وهو الشمس هنا فما ظنك بالمصباح الذي هو عين ذاتك فلا يكن يا أخي دعاؤك أبدا إلا أن يجعلك الله نورا وهنا سر عجيب أنبهك عليه من غير شرح لأنه لا يحتمل الشرح وهو أن الله يضرب الأمثال لنفسه ولا تضرب له الأمثال فيشبه الأشياء ولا تشبهه الأشياء فيقال مثل الله في خلقه مثل الملك في ملكه ولا يقال مثل الملك في ملكه مثل الله في خلقه فإنه عين ما ظهر وليس ما ظهر هو عينه فإنه الباطن كما هو الظاهر في حال ظهوره فلهذا قلنا هو مثل الأشياء وليست الأشياء مثله إذ كان عينها وليست عينه وهذا من العلم الغريب الذي تغرب عن وطنه وحيل بينه وبين سكنه فأنكرته العقول لأنها معقولة غير مسرحة وهذا أنموذج من تجلى أنوار الأنوار وأما أنوار المعاني المجردة عن المواد فلا تنقال فإنه لو انقالت لدخلت في المواد لأن العبارات من المواد وقد قلنا إنها مجردة لذاتها عن المواد لا إنها تجردت لأنها لو تجردت لكسوناها المواد إذا شئنا ولم تمتنع لأنها قد كانت فيها فهي تعلم خاصة ولا تقال ولا تحكى ولا تقبل التشبيه ولا التمثيل وأما أنوار الأرواح فهي أنوار روح القدس الجامع فمن أرسل من هذه الأرواح كان ملكا ومن لم يرسل بقي عليه اسم الروح مع الاسم الخاص به العلم في الطائفتين المرسلين وغير المرسلين فهو روح خالص لم يشبه ما يخرجه عن نفسه وهو روح ذو روح في روحيته وليس إلا الأرواح المهيمة وأرواح الأفراد منا تشبهها بعض شبه فلا يقع التجلي في أنوار أرواح إلا للأفراد ولهذا قال الخضر لموسى ما لم تحط به خبرا لأنه من الأفراد وإن الأنبياء يقع لهم التجلي في أنوار الأرواح الملائكة وليس للأفراد هذا التجلي بل هو مخصوص بالأنبياء والرسل وهو قول خضر أنت على علم علمكه الله لا أعلمه أنا لأنه ليس له هذا التجلي
(٤٨٨)