وسلم في حال خوف الصديق عليه وعلى نفسه فقال لصاحبه يؤمنه ويفرحه إذ هما في الغار وهو كنف الحق عليهما لا تحزن إن الله معنا فقام النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الإخبار مقام الحق في معيته لموسى وهارون وناب منا به هكذا تكون العناية الإلهية فهذا هو النور الذي يسعى به وهو لا يزال ساعيا فلا يزال الحق معه حافظا وناصرا لا خاذلا ولهذا وقع الإخبار لنا من الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أنا إذا أتينا بنوافل الخيرات لا بفرائضها أحبنا الحق فكان سمعنا الذي نسمع به ورجلنا التي نسعى بها إلى جميع قوانا وأعضائنا فهذا ما أعطت النوافل فينا من الحق فأين أنت مما تعطيه الفرائض فكم بين عبودية الاضطرار وعبودية الاختيار تقع المشاركة مع الحق في عبودة الاختيار في أحاديث نزوله في الخطاب إلى عبده مثل الشوق والجوع والعطش والمرض وأشباه ذلك وعبودة الاضطرار لا تقع فيها مشاركة فهي مخلصة للعبد فمن أقيم فيها فلا مقام فوقها يقول الله لأبي يزيد تقرب إلي بما ليس لي الذلة والافتقار فعين القربة هنا هو عين البعد من المقام فافهم وأما النور الذي نسعى منه فهو نور الحقيقة سواء علمها أو لم يعلمها فيكشفها بهذا النور ويكشف أنه سعى منه ثم ينكشف له النور الذي يسعى إليه وهو الشريعة فصاحب هذا المقام هو المعصوم المحفوظ المعتنى به العالم الذي لا يجهل لاتصافه بالعلم الذي لا جهل فيه فإن ثم عبيدا يسعون من نور الشريعة إلى نور الحقيقة ويخاف عليهم وهؤلاء الذين يسعون على كشف من نور الحقيقة إلى نور الشريعة آمنون من هذا المكر الإلهي فهم على بصيرة من أمرهم وهؤلائك تحت خطر عظيم يمكن أن يعصموا فيه ويمكن أن يخذلوا فاعلم ذلك وأما أنوار المولدات فهي أنوار تعطيه بذاتها علما صحيحا من العلم بالله يكشف بها نسبة الحق وصورته في صور أعيان المعادن والنبات والحيوان وهم لا يعلمون وما زاد الإنسان على هؤلاء إلا بكشفه ذلك فالمولدات في هذا المقام بمنزلة قوله وهو معكم أينما كنتم والإنسان فيه بمنزلة لا تحزن إن الله معنا وإنني معكما أسمع وأرى فإنه صورة كل شئ في نفس الأمر فمن علمه وكشفه بهذا النور كان من أهل الاختصاص فهو يرى الأشياء أعيانا بصورة حقية وأخبرني من أثق بنقله في هذه المسألة إن شخصا كان بدمشق له هذا المقام لا يزال رأسه بين ركبتيه فإذا نظر إلى الأشياء في رفع رأسه لا يزال يقول أمسكوه أمسكوه والناس لا يعلمون ما يقول فيرمونه بالتوله وأما أنا فذقته لله الحمد على ذلك وأما أنوار الأسماء فهي التي تظهر مسمياتها حقا وخلقا مما يتعلق بالذات والصفات والأفعال في الإلهيات منها ما يتعلق بأجناس الممكنات وأشخاصها منها من الأسماء التي وضعها الحق لها وبلغتها الرسل لا ما وقع عليه الاصطلاح وهذه الأنوار التي كانت لآدم عليه السلام حين علم جميع الأسماء بالوضع الإلهي لا بالاصطلاح وفي ذلك تكون الفضيلة والاختصاص فإن لله أسماء أوجد بها الملائكة وجميع العالم ولله أسماء أوجد بها جامع حقائق الحضرة الإلهية وهو الإنسان الكامل ظهر ذلك بالنص في آدم وخفي في غيره فقال للملائكة في فضل آدم وفي فضل هذا المقام وقد أحضر للملائكة المسميات أعني أعيانهم أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين أي بالأسماء الإلهية التي صدروا عنها فلم يعلموا ذلك ذوقا فإن علوم الأكابر ذوقا فإنه عن تجل إلهي فقال الله يا آدم أنبئهم بأسمائهم فأنبأهم آدم بأسمائهم الإلهية التي أوجدتهم وأسندوا إليها في إيجاد أعيانهم لا أسماء الاصطلاح الوضعي الكوني فإنه لا فائدة فيه إلا بوجه بعيد أضربنا عن ذكره حين علمنا أنه لم يكن المقصود فإنا ما نتكلم ولا نترجم إلا عما وقع من الأمر لا عما يمكن فيه عقلا وهذا الفرق بين أهل الكشف فيما يخبرون به وهم أهل البصائر وبين أهل النظر العقلي والفائدة إنما هي فيما وقع لا فيما يمكن فإن ذلك علم لا علم وما وقع فهو علم محقق وأما أنوار الطبيعة فهي أنوار يكشف بها صاحبها ما تعطيه الطبيعة من الصور في الهباء وما تعطيه من الصور في الصورة العامة التي هي صورة الجسم الكل وهذه الأنوار إذا حصلت على الكمال تعلق علم صاحبها بما لا يتناهى وهو عزيز الوقوع عندنا وأما عند غيرنا فهو ممنوع الوقوع عقلا حتى إن ذلك في الإله مختلف فيه عندهم وما رأينا أحدا حصل له على الكمال ولا سمعنا عنه ولا حصل لنا وإن ادعاها إنسان فهي دعوى لا يقوم عليها دليل أصلا مع إمكان حصول ذلك وأنوار الطبيعة مندرجة في كل ما سوى الحق وهي نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية وأدرجها الله في الأفلاك والأركان وما يتولد من الأشخاص إلى ما لا يتناهى وأما أنوار الرياح فهي أنوار عنصرية أخفاها شدة ظهورها فغشيت الأبصار عن إدراكها وما شاهدتها
(٤٨٧)