بالعين الواحدة ولا بالظاهر في المظاهر لأن الكثير مشهود لا الكثرة فالكثرة معقولة والكثير موجود مشهود فمن هنا ظهر حكم حال الغيرة في الأشياء واتصف بالغيرة إلا له والشئ لا يكون غير نفسه إلا إذا كان الشئ أشياء فيكون كل شئ غيرا للشئ الآخر والحق ليس بأشياء فلا يقبل الغير وقد اتصف بأنه غيور ومن غيرته حرم الفواحش فتدبر ما ذكرناه حتى تعرف ما الفاحشة وما الفعل المسمى فاحشة وغير فاحشة فالغير على الحقيقة ثابت لا ثابت هو لا هو فأما حال الغيرة في الحق وهي الغيرة التي تكون عند رؤية المنكر والفواحش وهي التي اتصف الحق بها والملأ الأعلى والرسل وصالحوا المؤمنين على إن الغيرة مركوزة في الطبع فلا بد منها إلا أنها تنقسم إلى محمود ومذموم وكلامنا في المحمود منها وهي الغيرة في الحق وهي من أشكل المسائل فإنه تعالى من غيرته حرم الفواحش ثم إذا وقعت الفواحش في الكون لم نره يسرع بالأخذ عليها لا دنيا ولا آخرة فعلمنا إن ثم مانعا أقوى يمنع من ذلك يكون ذلك المانع أعظم إحاطة وتكون نسبته إلى الغيرة نسبة العلم الإلهي إلى القدرة الإلهية فإن القدرة وإن تعلقت بما لا يتناهى من الممكنات فلا تشك أن العلم أكثر إحاطة منها لأنه يتعلق بها وبالممكنات والواجبات والمستحيلات والكائنات وغير الكائنات مع ما يعطي الدليل أن ما لا يتناهى لا يفضل ما لا يتناهى كذلك السبب الموجب لترك المؤاخذة على ما يقع عمن يأتي ما وقعت عليه الغيرة ولا بد أن يكون أقوى من حال الغيرة هذا كله في حق الحق وأما في حق المخلوق فلا بد من تغيير النفس وهو مكلف بها في الحق لا بد من ذلك ومذموم من لم يجد ذلك من المكلفين فإنه مخاطب بتغييره من يده بالفعل إلى لسانه بالقول إلى وجود ذلك في النفس وهو أضعف الايمان في الزمان لا في نفس الغيور فحال الغيرة هو ما يجده الغيور من اختلاف الأمر عليه في نفسه عند وقوع ما لا يرضى الله سواء وقع ذلك منه أو من غيره بل من هذه صفته هو معصوم فإن من وقع منه ما يوجب الغيرة ولا يغار وإذا رأى ذلك من الغير أدركته الغيرة فليست بغيرة حقية إلهية وإنما هي غيرة نفسية لا قربة فيها إلى الله تعالى تلك هي الغيرة الإلهية الصحيحة ولكن لا يشعر بها كثير من أهل الله إلا من عرف الحق حق معرفته فإن الله هو الغيور الأعظم في الغيرة من المخلوق وهو الفاعل للأمر الذي يوجب الغيرة ولا يؤاخذ على ذلك أخذ عموم فكذلك من توجد منه الغيرة في حق زيد لفعل خاص وإذا وقع منه ذلك الفعل لا يجد غيرة فلهذا قلنا صاحب هذا الحال أحق وأقرب للاتصاف بالنعت الإلهي بالغيرة من الذي يغار مطلقا في حق نفسه وغيره ومن أجل ذلك سمي معصوما أو محفوظا فلم يقع منه ما يوجب الغيرة وهو السعيد في العموم المثنى عليه في الشرع والآخر يذم كما يذم الجبار من المخلوقين وإن كان الجبروت وصفا إلهيا كذلك خصوص الغيرة لا ينبغي للمؤمن أن يتصف بذلك بل تعم غيرته في الحق وحينئذ يحمده الله تعالى ويثني عليه فقد نبهتك على سر من أسرار الغيرة لتستريح إليه إن تفطنت له ولا تستعمله فتشقى بل كن لله غيورا في الحق مطلقا من غير تقييد وأما حال الغيرة على الحق وهي كتمان السرائر والأسرار وتلك حالة الأخفياء الأبرياء من الملامية المجهولين المجهولة مقاماتهم فلا يظهر عليهم أمر إلهي يعرف به إن لله عناية بهم فأحوالهم تستر مقامهم لحكمة الموطن فإنهم لا يظهرون في محل النزاع إذ كان سيدهم وهو الله تعالى قد نوزع في ألوهيته في هذه الدار وهذه الطائفة متحققة بسيدها فمنعهم ذلك التحقق أن يظهروا في الموطن الذي استتر سيدهم فيه فجروا مع العامة على ما هي العامة عليه من ظاهر الطاعات التي لم تجر العادة في العرف أن يسموا بها أنهم من أهل الله لأنهم ما ظهر منهم ما يتميزون به عن العامة من الأفعال كما ظهر من بعض الأولياء من خرق العوائد في الأحوال أو من تتبع تغيير المنكرات إذا بدت تغييرا يتميز به عن التغيير العام بحيث أن يشار إليه فيه فهذه حال الغيرة على الحق وأما حال الغيرة من الحق وهي ضنته بأوليائه حيث سترهم عن سائر عباده فحبب إليهم الستر ووفقهم للمعرفة بحكم الموطن فاتصفوا بصفة سيدهم فكانوا عنده خلف حجب العوائد فهم ضنائن الله وعرائسه فهم عنده كهو عندهم فما يشاهدون سواه ولا ينظر هو إلا إليهم فمن أراد أن يعرفهم فليسلك مسلك الغيرة على الحق فينتظم في سلكهم وأما قول بعضهم في الغيرة على الحق أن يذكر بالسنة الغافلين فكل لسان ذكره فليس بغافل بل له ثمرة صحيحة ينالها الذاكر وهو اللسان وإن لم تقرن به نية من نفس صاحب ذلك اللسان فما ذكره ذاكر بغفلة قط بل ذلك من قوله تعالى وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم مثل هؤلاء
(٥٠١)