تقاته فيعلم أن أحدا لا يطيق ذلك وأن قدر الله أجل وأعلى وأنزه أن يقدره أحد فيؤديه ذلك إلى النظر في نفسه وما آتاه الله من القوة في ذلك لما علم أن قدر الله ليس في وسع المخلوق القيام به وسمع الله يقول لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وقال إلا ما آتاها وقال ما استطعتم فانزعج إلى القيام بحق الله على قدر الاستطاعة وما في وسعه ويتفاضل عباد الله في ذلك على نوعين على قدر ما يكشف لهم من جلال الله وعلى قدر أمزجتهم فإن الله قد جعل نفس الإنسان وعقله بحكم مزاج جسده فإن نفس الإنسان لا تدرك شيئا إلا بوساطة هذه القوي التي ركب الله في هذه النشأة فهي للنفس كالآلة فإن كانت الآلة مستقيمة على الوزن الصحيح ظهر حسن الصنعة بها إذا كانت النفس عالمة بالصنعة وعلمهم على قدر ما يكشف لهم الحق من ذلك في سرائرهم فمنهم من يكشف له فيما تطلبه الذات ومنهم من يكشف له فيما تطلبه الأسماء من حيث الدلالات النظرية ومنهم من يكشف له فيما تطلبه الأسماء من حيث ما جاءت به الشرائع من المقابل والمقارن فمنهم من يقام على رأس الستين ألفا من المنازل الإلهية ومنهم من يقام على رأس مائة ألف وعشرين ألفا من هذه المنازل ومنهم من يقام على رأس تسعين ألفا منحصرة في ستة مقامات لا سابع لها ولا يشارك عبد في شئ من هذه المنازل بل يكون فيها كل إنسان منفردا وهو قول الطائفة إن الله لا يتجلى في صورة واحدة لشخصين قد علم كل أناس مشربهم فهم وإن اجتمعوا في العدد فما لهم اجتماع في الذوق لأنهم لم يجتمعوا في المزاج ولو اجتمعوا في المزاج وهو محال ما تميزوا ولكان العين واحدة وثم موطن يعطي الظهور في صاحب المنزل الذي كان على رأس الستين ألفا خلاف هذا وهو في تلك الدرجة عينها فيكون له بدل الستين ألفا عدد آخر يكون مبلغه ثلاثة آلاف ألف وبكون لصاحب التسعين ألفا أربعة ألف ألف وخمسمائة ألف ويكون لصاحب المائة ألف وعشرين ألفا ستة آلاف ألف وهذا لا يكون إلا لأهل الصعود الذين قال الله فيهم إليه يصعد الكلم الطيب وكل من أسرى به سواء كان إسراء روحانيا أو بالجسم فإن له من المنازل هذا العدد الكثير وأما العدد الذي هو أقل منه فذلك للمريدين الذين هم في مقام التربية لا غير وأما حصرهم في ستة لا غير فمن طريقين الطريقة الواحدة نشأتهم القائمة على ست جهات يأتي الشيطان من الأربعة منها وتبقي الاثنان لا سبيل للشيطان عليهما ومن هناك يكون مال الناس إلى عموم الرحمة وشمولها لهاتين الجهتين وأما الستة المعنوية فالصفات الستة التي هي النسب الإلهية التي يتعلق الممكن بها والنسبة السابعة ما هي متوجهة على الممكن وإنما ظهرت لصحة هذه الستة خاصة لا لأمر آخر وهي نسبة كونه حيا إذ بهذه النسبة ثبتت الستة ولما كانت الحدود تحفظ الأشياء ولا سيما الحدود الذاتية جعلت خمسة لما كانت الخمسة لها الحفظ فاتسعت الحدود فأعطيت الحدود مقام الخمسة ولتكون الأعيان تامة كاملة النشأة ما فيها نقص وهذا كله إذا لاح للعبد على بعد انزعج إلى طلبه ليحصله إذ كان فيه تعظيم جناب الحق الذي هو مقصود هذا العبد فهذا حكم من أزعجه التعظيم وأما حكم من أزعجته الرغبة فيما عند الله فإن مشهده وما عند الله خير وأبقى ومشهد صاحب التعظيم والله خير وأبقى فاعلم أن انزعاج الرغبة بحسب ما تعشق به ورغب فيه وهو على نوعين متخيل وغير متخيل والمتخيل على نوعين النوع الواحد ما أدركه ببعض حواسه أو بجملتها أو أدركه من طريق الخبر فحمله على المعهود من صفة الجنة وما فيها وغير المتخيل هو ما رغبة فيه من حيث الإجمال وهو ما تحوي عليه الجنة أو تتضمنه مما لا عين رأته ولا أذن سمعته ولا خطر على قلب بشر فقد سمع أن فيها هذا فمثل هذا لا يمكن تخيله فكلما تخيله فقد خطر على قلب بشر فليس ذلك ومن طبع النفس إنها تحب أن تعلم ما لم تكن تعلم فهي تحب المزيد بالطبع إلا أنه يختلف تعلقها بما تستزيد منه فالذي تتعشق به منه تطلب المزيد لا من غيره فإن كان الراغب صاحب محبة لله فلا يخلو إما أن يكون عالما بالله أو غير عالم بالله من المحال أن يكون غير عالم بالله لأنه محب والمحب يطلب بذاته محبوبا يتعلق به من قام به حتى يسمى محبا فلا بد أن يكون عالما به غير أن العلماء به على مراتب منهم مؤمنون خاصة فعلموه من جهة الخبر والأخبار متقابلة فحار المحب فلم ينضبط له صورة في محبوبه ومنهم من رجح في الخبر ما أعطاه الخيال فأحب محدودا متصورا تعلق به فمثل هذا يزعجه طلب الوجد والأنس والوصال والرؤية والحديث على الطريقة المعهودة في الأشكال والأجناس
(٤٩٣)