والعين لا تنعدم أبدا فإن الله قد حكم بإبقائها فإنه أحب أن يعرف فلا بد من إبقاء أعين العارفين وهم أجزاء العالم وهذا الفلك هو سقف الجنة وعن حركته يتكون في الجنة ما يتكون وهو لا ينخزم نظمه فالجنة لا تفني لذاتها أبدا ولا يتخلل نعيمها ألم ولا تنغيص وإن كانت طبائع أقسام هذا الفلك مختلفة فما اختلفت إلا لكون الطبيعة فوقه فحكمت عليه بما تعطيه من حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة إلا أنه لما كان مركبا ولم يكن بسيطا لم يظهر فيه حكم الطبيعة إلا بالتركيب فتركب الناري من هذه الأقسام من حرارة ويبوسة وتركب الترابي منها من برودة ويبوسة وتركب الهوائي منها من حرارة ورطوبة وتركب المائي منها من برودة ورطوبة فظهرت على أربع مراتب لأن الطبيعة لا تقبل منها إلا أربعة تركيبات لكونها متضادة وغير متضادة على السواء فلذلك لم تقبل إلا أربع تركيبات كما هي في عينها على أربع لا غير وإن كانت الطبيعة في الحقيقة اثنين لأنها عن النفس والنفس ذات قوتين علمية وعملية فالطبيعة ذات حقيقتين فاعلتين من غير علم فهي تفعل بعلم النفس لا بعلمها إذ لا علم لها ولها العلم فهي فاعلة بالطبع غير موصوفة بالعلم فهي من حيث الحرارة والبرودة فاعلة ثم انفعلت اليبوسة عن الحرارة والرطوبة عن البرودة فكما كانت الحرارة تضاد البرودة كان منفعل الحرارة يضاد منفعل البرودة فلهذا ما تركب من المجموع سوى أربع فظهر حكمها في أقسام هذا الفلك بتقدير العزيز العليم ثم جعلها على التثليث كل ثلث أربع فإذا ضربت ثلاثة في أربعة كان المجموع اثني عشر فلكل برج ثلاثة أوجه مضروبة في أربعة أبراج كان المجموع اثني عشر وجها والأربعة الأبراج قد عمت تركيب الطبائع لأنها منحصرة في ناري وترابي وهوائي ومائي فإذا ضربت ثلاث مراتب في اثني عشر وجها كان المجموع ستة وثلاثين وجها وهو عشر الدرج أي جزء من عشرة والعشرة آخر نهاية الأحقاب والحقبة السنة فأرجو أن يكون المال إلى رحمة الله في أي دار شاء فإن المراد أن تعم الرحمة الجميع حيث كانوا فيحيي الجميع بعد ما كان منه من لا يموت ولا يحيا وذلك حال البرزخ واعلم أن هذا الفلك يقطع بحركته في الكرسي كما يقطعه من دونه من الأفلاك ولما كان الكرسي موضع القدمين لم يعط في الآخرة إلا دارين نارا وجنة فإنه أعطى بالقومين فلكين فلك البروج وفلك المنازل الذي هو أرض الجنة وهما باقيان وما دون فلك المنازل يخرب نظامه وتبدل صورته ويزول ضوء كواكبه كما قال يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وقال وإذا النجوم طمست فما ذكر من السماوات إلا المعروفة بالسموات وهي السبع السماوات خاصة وأما مقعر فلك المنازل فهو سقف النار ومن فعل هاتين القدمين في هذا الفلك ظهر في العالم من كل زوجين اثنين بتقدير العزيز لوجود حكم الفاعلين من الطبيعة والقوتين من النفس والوجهين من العقل والحرفين من الكلمة الإلهية كن من الصفتين الإلهية في ليس كمثله شئ وهي الصفة الواحدة وهو السميع البصير وهي الصفة الأخرى فمن نزه فمن ليس كمثله شئ ومن شبه فمن وهو السميع البصير فغيب وشهادة غيب تنزيه وشهادة تشبيه فافهم إن كنت تفهم واعلم ما الحقيقة التي حكمت على الثنوية حتى أشركوا وهم المانية مع استيفائهم النظر وبذل الاستطاعة فيه فلم يقدروا على الخروج من هذه الاثنينية إلى العين الواحدة وما ثم إلا الله ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فلم يعذر لأنه نزل عن هذه الدرجة فقلد فنجا صاحب النظر وهلك المقلد فإنه استند إلى أمر محقق في الصفة والكلمة فأضله الله على علم وختم على سمعه فلم يسمع وإلهكم إله واحد وختم على قلبه فلم يعلم أنه إله واحد لأنه لم يشاهد تقليب قلبه وجعل على بصره غشاوة فلم يدرك فردية الكلمة بالواو التي بين الكاف والنون فمنعته الغشاوة من إدراكها فلم يشاهد إلا اثنين الكاف والنون لفظا وخطا والكاف كافان كاف كن وهي كاف الإثبات وكاف لم يكن وهي كاف النفي وفي هذه الكاف طلعت لنا الشمس سنة تسعين وخمسمائة فأثبتنا نفي التشبيه بطلوع الشمس في لم يكن ومن لم تطلع له فيه شمس قال بالتعطيل والشمس طالعة ولا بد في لم يكن نصف القرص منها ظاهر والنصف فيها مستتر والغشاوة منعت هذا الرائي أن يدرك طلوعها فقال بالتعطيل وهو النفي المطلق فما من ناظر إلا وله عذر والله أجل من أن يكلف نفسا ما ليس في وسعها فكلهم في رحمة الله خالد * موحده أو ذو الشريك وجاحد ومن هذا الاسم وجد حرف الجيم والطرف من المنازل وسيأتي الكلام على كل واحد من هذه الحروف والمنازل في بابها
(٤٣٩)