قال الحمد لله على كل حال فأثنى عليه على كل حال لأنه المعطي بتجليه كل حال وأوضح من هذا في التبليغ ما يكون مع إقامة الحدود وإنكار ما ينبغي أن ينكر فإن المنكر بالتغيير أنكر يسأله من في السماوات ومن في الأرض كل يوم هو في شأن أحوال إلهية في أعيان كيانية بأسماء نسبية عينتها تغييرات كونية فتجلى أحدي العين في أعيان مختلفة الكون فرأت صورها فيه فشهد العالم بعضه بعضا في تلك العين فمنه المناسب وهو الموافق ومنه غير المناسب وهو المخالف فظهرت الموافقة والخلاف في أعيان العالم دنيا وآخرة لأنه لا تزال أعيان العالم تبصر بعضها بعضا في تلك العين المنجلية فتنعكس أنوارها عليها بما تكتسبه من تلك العين فيحدث في العالم ما يحدث دنيا وآخرة عن أثر حقيقة تلك العين لما تعلقت بها أبصار العالم كالمرآة تقابل الشمس فينعكس ضوءها على القطن المقابل لانعكاس النور فيحدث فيه الحرق هذا عين ما يظهر في العالم من تأثير بعضه في بعض من شهود تلك العين فالمؤثر روحاني والذي تأثر طبيعي وما من شئ تكون له صورة طبيعية في العالم إلا ولها روح قدسي وتلك العين لا تنحجب أبدا فالعالم في حال شهود أبدا والتغيير كائن أبدا لكن الملايم وغير الملائم وهو المعبر عنه بالنفع والضرر فهذا علم التجلي من أحد أقسام المعرفة إن لم يحصل للإنسان مع بقية إخوانه فليس بعارف ولا حصل له مقام المعرفة النوع الثالث من المعرفة وهو العلم بخطاب الحق عباده بالسنة الشرائع اعلم وفقك الله أن ما عدا الثقلين من كل ما سوى الله على معرفة بالله ووحي من الله وعلم بمن تجلى له مفطور على ذلك سعيد كله ولهذا قال تعالى ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض فعم ثم فصل ليبين للناس ما نزل إليهم فقال والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وهو قوله إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم يقول وما هم قليل يعني أنهم كثير فهو قوله وكثير من الناس ثم قال وكثير حق عليه العذاب وسبب ذلك إن وكله من حيث نفسه الناطقة الموجودة بين الطبيعة والنور بما جعل الله فيها من الفكر ليكتسب به المعرفة بالله تعالى اختيارا من الله وأعطاها العقل كما أعطى سائر الموجودات وأعطاه صفة القبول وعشقه بالقوة المفكرة لاستنباط العلوم من ذاته لتظهر فيه قوة إلهية فإنه يحب الرياسة والظهور والشفوف على أبناء جنسه لاشتراكهم في ذلك ثم لما أعطاهم القوة المفكرة نصب لهم علامات ودلائل تدل على الحدوث لقيامها بأعيانهم ونصب لهم دلائل وعلامات تدل على القدم الذي هو عبارة عن نفي الأولية عن وجوده وتلك الدلائل بأعيانها هي التي نصبها للدلالة على الحدوث فسلبها عن الذات القديمة المسماة الله هو الدليل ليس غير ذلك فللأدلة وجهان وهي عين واحدة يدل ثبوتها على حدوث العالم وسلبها على موجد العالم فلما نظر بهذا النظر وقال عرفت الله بما نصبه من الأدلة على معرفتنا بنا وبه وهي الآيات المنصوبة في الآفاق وفي أنفسنا حتى يتبين لنا أنه الحق وقد تبين وهو الذي عبرنا عنه بالتجلي فإن التجلي إنما هو موضوع للرؤية وذلك قوله سنريهم آياتنا فذكر الرؤية والآيات للتجلي فيتبين لهم أنه الحق يعني ذلك التجلي الذي رأوه علامة أنه علامة على نفسه فيتبين لهم أنه الحق المطلوب ولهذا تمم فقال في الآية عينها أو لم يكف بربك يعني أن يكون دليلا على نفسه وأوضح الدلالات دلالة الشئ على نفسه بظهوره فلما حصلت لعقولهم هذه المعرفة بالتنزيه عما نسبوه إلى ذوات العالم وهو دليل واحد العين متردد في الدلالة بين سلب لمعرفة الله وبين إثبات لمعرفة العالم أقام الحق لهذا الجنس الإنساني شخصا ذكر أنه جاء إليهم من عند الله برسالة يخبرهم بها فنظروا بالقوة المفكرة فرأوا إن الأمر جائز ممكن فلم يقدموا على تكذيبه ولا رأوا علامة تدل على صدقه فوقفوا وسألوه هل جئت إلينا بعلامة من عنده حتى نعلم أنك صادق في رسالتك فإنه لا فرق بيننا وبينك وما رأينا لك أمرا تميزت به عنا وباب الدعوى مفتوح ومن الدعوى ما يصدق ومنها ما لا يصدق فجاء بالمعجزة فنظروا فيها نظر إنصاف وهي بين أمرين الواحد أن تكون مقدورة لهم فيدعي الصرف عنها مطلقا فلا تظهر إلا على يدي من هو رسول إلى يوم القيامة هذا إذا كانت معجزة لا آية فقط فإن المعجزات نصبت للخصم الألد الفاقد نور الايمان والأمر الآخر أن تكون المعجزة خارجة عن مقدور البشر بالحس والهمة معا فإذا أتى بأحد هذين الأمرين وتحققه الناظر دليلا آمن برسالته وصدقه في مقالته وإخباره عن ربه إذا كانت الدلالة على المجموع بحسب ما وقعت به الدعوى ولا يمكن في ذوق طريقنا تصديقه مع
(٣٠٥)