فلذلك هو عام التعلق ولما كان هذا النعت للإله كان عام التعلق وهكذا كل نعت إلهي لا بد أن يكون عام التعلق وإن لم يكن كذلك فليس بنعت إلهي لكن بعض النعوت مثل نعت الولاية لا ينسبه الله لنفسه إلا بتعلق خاص للمؤمنين خاصة والصالحين من عباده وهو ذو النصر العام في كل منصور ولما كان نعتا إلهيا هذا النصر المعبر عنه بالولاية وتسمى سبحانه به وهو اسمه الولي وأكثر ما يأتي مقيدا كقوله الله ولي الذين آمنوا سرى في كل ما ينسب إليه إلهية مما ليس بإله ولكن لما تقرر في نفس المشرك أن هذا الحجر أو هذا الكوكب أو ما كان من المخلوقات أنه إله وهو مقام محترم لذاته تعين على المشرك احترام ذلك المنسوب إليه لكون المشرك يعتقد أن تلك النسبة إليه صحيحة ولها وجه ولما علم الله سبحانه أن المشرك ما احترم ذلك المخلوق إلا لكونه إلها في زعمه نظر الحق إليه لأنه مطلوبه فإذا وفي بما يجب لتلك النسبة من الحق والحرمة وكان أشد احتراما لها من الموحد وتراءى الجمعان كانت الغلبة للمشرك على الموحد إذ كان معه النصر الإلهي لقيامه بما يجب عليه من الاحترام لله وإن أخطأ في النسبة وقامت الغفلة والتفريط في حق الموحد فخذل ولم تتعلق به الولاية لأنه غير مشاهد لأيمانه وإنما قاتل ليقال فما قاتل لله فإن الله يقول وكان حقا علينا نصر المؤمنين فأي شخص صدق في احترام الألوهية واستحضرها وإن أخطأ في نسبتها ولكن هي مشهوده كان النصر الإلهي معه غيرة إلهية على المقام الإلهي فإنه العزيز الذي لا يغلب فما جعل نصره واجبا عليه للموحد وإنما جعل للمؤمن بما ينبغي للألوهية من الحرمة ووفى بها من وفى وهذا من أسرار الولاية التي لا يشعر بها كل عالم فإن هذا لسان خصوص وأما لسان العموم في هذه الآية وهو نصر المؤمنين فنقول إن الموحد إذا أخلص في إيمانه وثبت نصر على قرنه بلا شك فإذا طرأ عليه خلل ولم يكن مصمت الايمان وتزلزل خذله الحق وما وجد في نفسه قوة يقف بها لعدوه من أجل ذلك الخلل فانهزم فلما رآه عدوه منهزما تبعه وظهرت الغلبة للعدو على المؤمن فما نصر الله العدو وإنما خذل المؤمن لذلك الخلل الذي داخله فلما خذله لم يجد مؤيدا فانهزم فبالضرورة يتبعه عدوه فما هو نصر للعدو وإنما هو خذلان للمؤمن لما ذكرناه هذا لسان العموم في هذه المسألة فالولاية من الله عامة في مخلوقاته من حيث ما هم عبيده وبهذه الولاية تولاهم في الإيجاد ولما كان متعلق الولاية المؤمنين لذلك أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي ولم يقل لهم ألست بواحد لعلمه بأنه إذا أوجدهم أشرك بعضهم ووحد بعضهم واجتمعوا في الإقرار بالربوبية له وزاد المشرك الشريك ثم إنه سبحانه من عموم ولايته أن تولاهم بالوجود في أعيانهم ويحفظ الوجود عليهم وبتمشية أغراضهم وتولاهم بما رزقهم مما فيه قوام عيشهم ومصالحهم عموما ووفق من وفق منهم بولايته لوضع نواميس جعلها في نفوسهم من غير تنزل الذي هو الشرع فوضعها حكماء زمانهم وذوو الرأي منهم العلماء بما يصلح العالم فتولاهم سبحانه بأن قرر في أنفسهم ما ينبغي أن تكون به المصلحة لهم مراعاة لكل جزء منهم فإن كل جزء من العالم مسبح لله تعالى من كافر وغير كافر فإن أعضاء الكافر كلها مسبحة لله ولهذا يشهد عليه يوم القيامة جلده وسمعه وبصره ويده ورجله غير أن العالم لا يفقهون هذا التسبيح وسريان هذه العبادة في الموجودات وهذا من توليه سبحانه ثم إنه تولاهم بإنزال الشرائع الصادقة المعرفة بمصالح الدنيا والآخرة ثم تولاهم بما أوجد من الرحمة فيهم التي يتعاطفون بها بعضهم على بعض في الوالدين بأولادهم في تربيتهم و بالأولاد على والديهم من البر بهم والاعتماد عليهم وبما جعل من شفقة المالكين على مماليكهم وعلى ما يملكونه من الحيوانات وتولى الحيوان بما جعل فيهم من عطف الأمهات على أولادها في كل حيوان يحتاج الولد إلى تدبير أمه وتولاهم بالأغراض ليهون عليهم المشقات ويسمى مثل هذا تسخيرا فيخرج الشخص لنيل غرضه فيما يزعم وهو من حيث التولي الإلهي ما خرج إلا في حق الغير وهو يتوهم أنه في حق نفسه كالتجار وأمثالهم فالقى في نفس التاجر المسافر طلب الربح في تجارته فقام طيبا نشيط النفس واشترى من البضاعات ما يحتاج إليه أهل ذلك البلد الذي يقصده فيجوب الأمصار ويركب البحار ويتعدى الأماكن القريبة من أجل حاجة أهل البلد الذي يقصده بما جعل الله في قلبه من ذلك بولايته فإذا وصل إلى ذلك البلد باع بربح أو خسارة ونال أصحاب تلك المدينة أغراضهم ووصلوا إلي حوائجهم وهذا المسخر يتخيل في نفسه أنه ليس بمسخر وإنما سافر ليكسب فلو خرج بنية التسخير وجعل الكسب تبعا كان
(٢٤٧)