على قلوب العباد المنازعين لما تلقى الملائكة على قلوب بني آدم في لماتها فقالوا وقهم السيئات نصرة للملائكة على الشياطين ثم تلطفوا في السؤال بقولهم ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته ثم من نصرتهم لمن في الأرض من غير تعيين مؤمن من غيره قول الله تعالى عنهم والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض مطلقا من غير تعيين أدبا مع الله والأرض جامعة فدخل المؤمن وغيره في هذا الاستغفار ثم إن الله بشر أهل الأرض بقبول استغفار الملائكة بقوله ألا إن الله هو الغفور الرحيم ولم يقل الفعال لما يريد ولهذا أيضا قلنا إن مال عباد الله إلى الرحمة وإن سكنوا النار فلهم فيها رحمة لا يعلمها غيرهم وربما تعطيهم تلك الرحمة أن لو شموا رائحة من روائح الجنة تضرروا بها كما تضر رياح الورد والطيب بأمزجة المحرورين فهذا كله من ولاية الملائكة فعم نصرهم بحمد الله فنعم الإخوان لنا وأما نصرهم المؤمنين على الأعداء في القتال فإنهم ينزلون مددا بالدعاء وفي يوم بدر نزلوا مقاتلين خاصة وكانوا خمسة آلاف وفيه استرواح إذ ليس بنص بقوله وما جعله الله إلا بشرى لكم فكانوا من الملائكة أو هم الملائكة الذين قالوا في حق آدم أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء فأنزلهم في يوم بدر فسفكوا الدماء حيث عابوا آدم بسفك الدماء فلم يتخلفوا عن أمر الله وقوله ولتطمئن قلوبكم به أي من عادة البشرية أن تسكن إلى الكثرة إذ كان أهل بدر قليلين والمشركون كثيرين فلما رأوا الملائكة وهم خمسة آلاف والمسلمون ثلاثمائة والمشركون ألف رجل اطمأنت قلوب المؤمنين بكثرة العدد مع وجود القتال منهم فما اطمأنوا به برؤيتهم وحصل لهم من الأمان في قلوبهم حتى غشيهم النعاس إذ كان الخائف لا ينام وما ذكر في الكثرة أكثر من خمسة آلاف لأن الخمسة من الأعداد تحفظ نفسها وغيرها وليس لغيرها من الأعداد هذه المرتبة فحفظ الله دينه وعباده المؤمنين بخمسة آلاف من الملائكة مسومين أي أصحاب علامات يعرفون بها أنهم من الملائكة أو الملائكة الذين قالوا في حقنا نسفك الدماء فنصرونا على الأعداء بما عابوه علينا إذ أمرهم الله بذلك ولولاية الملائكة وجوه ومواقف متعددة ولكن ذكرنا حصر المراتب التي نبه الله عليها فنصروا أسماء الله وهو أعلى المقامات ونصروا ملائكة اللمات ونصروا المؤمنين ونصروا التائبين ونصروا من في الأرض وما ثم من يطلب نصرهم أكثر من هذا فانحصرت مراتب النصر ثم إن الله أثنى عليهم بأنهم يسبحون بحمد ربهم استفتاحا إيثارا لجناب الله ثم بعد ذلك يستغفرون وهو الذي يليق بهم تقديم جناب الله ولهذا ما قام رسول الله ص في مقام للناس يخطبهم الأقدم حمد الله والثناء عليه ثم بعد ذلك يتكلم بما شاء ولذلك قال كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله أو قال بذكر الله فهو أجذم أي مقطوع عن الله وإذا كان مقطوعا عن الله فإن شاء الله قبله وإن شاء لم يقبله وإذا بدئ فيه بذكر الله فكان موصولا به غير مقطوع أي ليس بأجذم فذكر الله مقبول فالموصول به مقبول بلا شك ثم إنه من علم الملائكة أنهم ما يسبحون في هذه الأحوال إلا بحمد ربهم والرب المصلح ولا يرد الإصلاح إلا على فساد وما ذكر الله عنهم أنهم يسبحون بحمد غيره من الأسماء الإلهية إذ قال الله الحمد لله رب العالمين فعلموا إن المتوجه على العالم إنما هو الاسم الرب إذ كان الغالب على عالم الأرض سلطان الهوى وهو الذي يورث الفساد الذي قالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها فعلموا ما يقع لعلمهم بالحقائق وكذا وقع الأمر كما قالوه وإنما وقع الغلط عندهم في استعجالهم بهذا القول من قبل أن يعلموا حكمة الله في هذا الفعل ما هي وحملهم على ذلك الغيرة التي فطروا عليها في جناب الله لأن المولد من الأضداد المتنافرة لا بد فيه من المنازعة ولا سيما المولد من الأركان فإنه مولد من مولد من مولد من مولد ركن عن فلك عن برج عن طبيعة عن نفس والأصل الأسماء الإلهية المتقابلة ومن هنالك سرى التقابل في العالم فنحن في آخر الدرجات فالخلاف فيما علا عن رتبة المولد من الأركان أقل وإن كان لا يخلو ألا ترى إلى الملأ الأعلى كيف يختصمون وما كان لرسول الله ص علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون حتى أعلمه الله بذلك وسبب ذلك أن أصل نشأتهم أيضا تعطي ذلك ومن هذه الحقيقة التي خلقوا عليها قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء وهو نزاع خفي للربوبية من خلف حجاب الغيرة والتعظيم وأصل النزاع والتنافر ما ذكرناه من الأسماء الإلهية المحيي والمميت والمعز والمذل والضار والنافع ولا ينبغي أن يكون الإله إلا من هذه أسماؤه مضاف إليها مشيئته
(٢٥١)