إلهي يعطاه المؤمن لعين البصيرة يكون كالنور لعين البصر وتكون العلامة في المتفرس فيه كنور الشمس الذي تظهر به المحسوسات للبصر فكما يفرق البصر بما فيه من النور وبما كشف له نور الشمس من المحسوسات فيعرف صغيرها من كبيرها وحسنها من قبيحها وأبيضها من أسودها من أحمرها من أصفرها ومتحركها من ساكنها وبعيدها من قريبها وعاليها من أسفلها كذلك نور الفراسة الإيمانية يعرف محمودها من مذمومها وإنما أضيف نور الفراسة إلى الله الذي هو الاسم الجامع لأحكام الأسماء لأنه يكشف المحمود والمذموم وحركات السعادة في الدار الآخرة وحركات الشقاء إلى أن يبلغ بعضهم إذا رأى وطأة شخص في الأرض وهو أثره والشخص ليس بحاضر يقول هذا قدم سعيد وهذا قدم شقي مثل ما يفعله القائف الذي يتبع الأثر فيقول صاحب هذا الأثر أبيض مثلا أعور العين ويصف خلقته كأنه رآه وما طرأ عليه في خلقه من الأمور العوارض يرى ذلك كله في أثره من غير أن يرى شخصه ويحكم في الأنساب ويلحق الولد بأبيه إذا وقع الاختلاف فيه لعدم المناسبة في الشبه الظاهر المعتاد بين الآباء والأبناء فأضاف نور الفراسة إلى الله لأجل هذا فلو أضافها إلى الاسم الحميد مثلا لم ير صاحب هذا النور إلا المحمود السعيد خاصة وكذلك لو أضاف إلى أي اسم إلهي لكان بحسب ما تعطي حقيقة ذلك الاسم فلما أضاف ذلك النور إلى الله أدرك به الخيرات والشرور الواقعة في الدنيا والآخرة والمذام والمحامد ومكارم الأخلاق وسفسافها وما تعطيه الطبيعة وما تعطيه الروحانية ويفرق بهذا النور بين الأحكام الشرعية وهي خمسة أحكام ويعرف بهذا النور لمن استند صاحب تلك الحركة من الأسماء الإلهية ومن ينظر إليه من الأرواح العلوية وما له من الآيات من الحركات الكوكبية لأن الله ما جعل سباحتها في الأفلاك باطلا بل لأمور أودعها الله تعالى في المجموع فيها وفي حركاتها وفي قطعها في البروج المقدرة في الفلك الأقصى وهو قوله وأوحى في كل سماء أمرها فهي تؤدي في تلك السباحة ما أمنت عليه من الأمور التي يطلبها العالم العنصري واعلم أن الطبيعة التي خلقها الله تعالى دون النفس وفوق الهباء فلما أراد الله إيجاد الأجسام الطبيعية وما ثم عندنا إلا جسم طبيعي أو عنصري والعناصر أجسام طبيعية وإن تولد عنها أجساد أخر فكل ذلك من آثار الله فيما خلق الله الطبيعة عليها والطبيعة عبارة عن أمور أربعة إذا تألفت تألفا خاصا حدث عنه ما يناسب تلك الألفة بتقدير العزيز العليم فلذلك اختلفت أجسام العالم لاختلاف ذلك المزاج فأعطى كل جسم في العالم بحسب ما اقتضاه مزاجه وما زال الأمر ينزل إلى أن خلق الله العناصر وهي الأركان فضم الحرارة إلى اليبوسة على طريق خاص فكان من ذلك المزج ركن النار الذي يعبر عنه أيضا بعنصر النار ثم الهواء كذلك ثم الماء ثم التراب ثم جعل سبحانه يستحيل بعضها إلى بعض بوسائط وبغير وسائط فإذا تنافر العنصران من جميع الوجوه استحال إلى المناسب ثم استحال ذلك المناسب إلى المناسب إليه الآخر الأقرب الذي كان منافرا للمستحيل الأول فقبل الاستحالة إليه بوساطة هذا المناسب الأقرب من سخافة أو كثافة ثم خلق الله الجسم الحيواني من أربع طبائع وهما المرتان والدم والبلغم وجعل سبحانه في هذه الأخلاط قوى روحانية تظهر آثارها في الجسم المركب عنها فإن كانت هذه الأخلاط في الجسم الظاهر عنها على الاعتدال أو قريب من الاعتدال أعطت ما يعطيه الاعتدال من الأمور المستحسنة المحمودة والحركات الاقتصادية في الأمور وإن لم تكن فيه على الاعتدال أعطت بحسب ما انحرفت إليه وظهر في البدن سلطان الأقوى والأكثر من هذه الأخلاط فيطرأ على الجسم من ذلك علل وعلى النفس من ذلك أخلاق فالطبيب يداوي العلل بأن يزيد في الناقص من هذه الأخلاط وينقص من الزائد منها حتى يحصل الاعتدال والطبيب الإلهي يداوي الأخلاق ويسوس الأغراض النفسية بالذكرى والموعظة والتنبيه على معالي الأمور وما لمن قامت به من السعادة والمحمدة عند الله وعند الناس وعند الأرواح العلى فتتأيد بذلك النفس الناطقة وتكون لها هذه الذكرى كالمعينة على صلاح هذا المزاج المنحرف فتعين الطبيب المدبر لطبيعة هذا البدن وإصلاح ما اختل منه ولهذا بعض الأطباء يأمرون المرضى لأمراض خاصة باستعمال سماع الألحان المطربة والأماكن المستحسنة المتنوعة الأزهار وخرير المياه وتغاريد الطير كالبلبل وأمثاله كل ذلك طب روحاني يؤدي إلى صلاح المزاج يعين الطبيب عليه
(٢٣٦)