الكون وهذا الذي ظهرت منه صفة الكبرياء مطبوع على قلبه إن يدخل فيه الكبرياء على الله فإنه يعلم من نفسه افتقاره وحاجته وقيام الآلام به من ألم جوع وعطش وهواء ومرض التي لا تخلو هذه النشأة الحيوانية عنه في هذه الدار وتعذر بعض الأغراض أن تنال مرادها وتألمه لذلك ومن هذه صفته من المحال أن يتكبر في نفسه على ربه فهذا معنى الطابع الذي طبع الله على قلب المتكبر الذي يظهر لكم به من الدعوى الجبار يجبركم على ما يريد فمنكم المطيع والمخالف ولو هلك بمخالفته ولهذا يرجى حكم السعادة في المال ولو بعد حين فإن القلوب ما يدخلها كبرياء على الله لكن يدخلها بعضهم على بعض قال تعالى لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس وإذا علمت السماء أنها أكبر من خلق الناس كانت موصوفة بالكبرياء على الناس وذلك الكبرياء لا يقدح فيها فهذا معنى الغيرة الإلهية فلا رافع لما حجره فلا يتكبر على الله فيما بينه وبين الله أحد من خلق الله هذا محال وقوعه والقدر الذي وقع عليه التحجير الظاهر عليه وقع الذم لمن انتهكه وأضافه إلى نفسه وكذبوا على الله فيه وأما الغيرة لله ومن أجل الله وبالله فهو أن يرى الإنسان ما حده الحق أن يتعداه الخلق فيقوم به صفة الغيرة لله لا لنفسه ومن أجل الله لا من أجل نفسه إذ علم أن الخلق عبيد الله وأنه من حكم العبد أن لا يتعدى حد ما رسم له سيده وأما أن يغار على الله فإن الغيرة ستر يحجب المغار عليه حتى لا يكون إلا عنده خاصة وطريق الله مبني على أن ندعو الخلق إلى الله وأن نردهم إليه ونحببه إليهم ونعرفهم به وبمكانته وبهذا أمرنا والغيرة الكونية تأبى ذلك كله لجهلها بالمغار عليه الذي لا يستحق الغيرة عليه ولولا الوقوع فيمن انتمى إلى الله وجهل بعض ما ينبغي لله وقصد بذلك الخير ولكن ما علم طريقه وإلا كنا نذكر جهل هذا القائل بالغيرة على الله ولكن يكفي تنبيهنا على أن هذا ليس بصحيح وإنما التبس على مثل هؤلاء الغيرة لله بالغيرة على الله وما علموا ما بينهما من الفرقان ذكر في باب الغيرة القشيري في رسالته عن بعضهم أنه قيل له متى تستريح قال إذا لم أر له ذاكرا وليس هذا بغيرة فالقشيري أخطأ حيث جعل مثل هذا في باب الغيرة من كتابه وتخيل أن الشبلي في حال رؤية الذاكرين الله على الغفلة وبعدم الحرمة مثل من يذكره بلغو الايمان والايمان الفاجرة وذكر الله في طلب المعاش في الأسواق فغار أن يذكر بهذه الصفة لما لم يوف المذكور حقه من الحرمة عند الذكر والشبلي ما يبعد أن يكون هذا قصده بذلك القول في بدء أمره وفي وقت حجابه عن معرفة ربه وأما مع المعرفة فلا يكون هذا يعني قوله إذا لم أر له ذاكرا وإن معنى ذلك عندنا في حق كبراء العارفين أن الذكر لا يكون مع المشاهدة فلا بد للذاكر أن يكون محجوبا وإن كان الله جليس الذاكر ولكنه من وراء حجاب الذكر وكل من هو خلف حجاب من مطلوبه فإنه لا راحة عنده فإذا رفع الحجاب وقعت المشاهدة وزال الذكر بتجلي المذكور فلذلك قال إنما أستريح إذا لم أر له ذاكرا فطلب إن تكون مشاهدته تمنعه عن إدراك الذاكرين أو تمنى للذاكرين أن يكونوا في مقام الشهود الذي يمنعهم من الذكر إذ المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه على هذا يخرج قول هذا الرجل إن كان من العارفين وعلى ذوق آخر وهو أنه لا يستريح إلا إذا رأى أن الذكر هو الله لا الكون إذا كان الحق لسانه كما هو سمعه وبصره ويده فيستريح لأنه رأى أنه قد ذكره من يعلم كيف يذكره إذ كان هو الذاكر نفسه بلسان عبده فاستراح عند ذلك فلم ير له ذاكرا غيره وأما غيرة الرسول وأكابر الأولياء فغيرتهم لله كما قلنا وهي غيرة أدب والغيرة كتمان ما ينبغي أن يكتم لعدم احترامه لو ظهر عند من لا يقدر قدره كما قال تعالى وما قدروا الله حق قدره فمن الغيرة ستر مثل هذا ومن الغيرة الإلهية ستره لضنائنه من أهل الخصوص في كنف صونه فلا يعرفون وذلك رحمة بالخلق فإنه تعالى لو أبدى مكانتهم ورتبتهم العلية لمن علم منه أنه لا بد أن يجري الأذى على يديه في حق هذا المقرب المجتبى ثم جرى منه ذلك الأذى في حقه لكان عدم احترام للجناب الإلهي حيث لم يعظم ما عظمه الله فسترهم عن العلم بهم فما احترموهم وآذوهم لجهلهم بهم وذلك لما قدره الله ولهذا تسأل هذا الذي آذى ذلك العبد المقرب من نبي أو صديق فتقول له من غير تعيين ما عندك في أولياء الله فيجد عنده من الحرمة لهم والتبرك بذكرهم والخضوع تحت أقدامهم لو وجدهم فإذا قلت له هذا منهم وهو منهم لم يقم عنده تصديق بذلك ولو جئته بأمر معجز وكل آية ما قدر يعتقد أن ذلك آية ولا أعطته علما فما آذى إلا من جهل لا من علم ومما
(٢٤٥)