للإنسان وهذا لا يقول به من عنده أدنى شئ من العلم والصحيح في هذه الأخلاق الإلهية إنها كلها في جبلة الإنسان وتظهر لمن يعرفها في كل إنسان على حد ما تظهر في الجناب الإلهي فإن كل خلق من هذه الأخلاق لا يصح أن تعم المعاملة به جميع الأكوان لا من جانب الحق ولا من جانب الإنسان فهو كريم على الإطلاق وكذلك الإنسان كريم على الإطلاق ومع كون الحق كريما على الإطلاق فمن أسمائه المانع ومن أسمائه الضار ومن أسمائه المذي ويغفر ويعذب من يشاء ويؤتي الملك وينزع الملك وينتقم ويجود وهو مع هذا التقييد في حق قوم دون قوم مطلق الصفة وكذا هي في الإنسان فهي خلق أصلي له لا تخلق ولا يصح أن تعم من الإنسان هذه الأخلاق مع كونها مطلقة في حقه كما لم يصح أن تعم من الله في جميع الخلق مع كونه تعالى مطلق الوصف بها ولا يصح في هذه الصفات الاستعارة إلا مجازا كما قلنا من حيث إنه تعالى كان بهذه الصفات وما كنا فلما كنا كنا بها لا أنا اكتسبناها ولا استعرناها منه فإنها صفة قديمة لله أي نسبة اتصف بها الحق ولا عالم والصفة لا بد لها من موصوف بها فإنها من حقيقتها لأن تقوم بنفسها ويؤدي القول باستعارتها إلى قيامها بنفسها وإلى خلو الحق عنها وإلى أن يكون الحادث محلا لوجود القديم فيه وهذا كله ما لا يقول به أحد من العلماء بالله فجميع ما يظهر من الإنسان من مكارم أخلاق وسفساف أخلاق كلها في جبلته وهي له حقيقة لا مجاز ولا معارة كما أنه سبحانه جميع ما سمي به الحق نفسه لا وما وصف به نفسه من صفات الأفعال من خلق وإحياء وإماتة ومنع وعطاء وجعل ومكر وكيد واستهزاء وفصل وقضاء وجميع ما ورد في الكتب المنزلة ونطقت به الرسل من ضحك وفرح وتعجب وتبشبش وقدم ويد ويدين وأيد وأعين وذراع كل ذلك نعت صحيح فإنه كلامه تعالى عن نفسه وكلام رسله عنه وهو الصادق وهم الصادقون بالأدلة العقلية ولكن على حد ما يعلمه وعلى حد ما تقبله ذاته وما يليق بجلاله لا يزد شيئا من ذلك ولا نحيله ولا نكفيه ولا نقول بنسبة ذلك كله إليه كما ننسبه إلينا نعوذ بالله فإننا ننسبه إلينا على حد علمنا بنا فنعرف كيف ننسبه والحق يتعالى أن تعرف ذاته فيتعالى أن يعرف كيف ننسب إليه ما نسبه إلى نفسه ومن رد شيئا أثبته الحق لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله فقد كفر بما جاء به من عند الله وبمن جاء به وبالله ومن آمن ببعض ذلك ورد بعضه فقد كفر حقا ومن آمن بذلك وشبهه في نسبة ذلك إليه تعالى مثل نسبتها إلينا أو توهم ذلك أو خطر على باله أو تصوره أو جعل ذلك ممكنا فقد جهل وما كفر هذا هو العقد الصحيح من غير ترجيح غير أن ثم أسماء تطلق على العبد ولا تطلق على الجناب الإلهي وإن كان المعنى يشمل ذلك كالبخيل يطلق على العبد ولا يطلق على الحق وهو منع ومن أسمائه المانع ومن بخل فقد منع هذا هو الحق غير أنا نلتمس له وجها وهو أن نقول كل بخل منع وما كل منع بخل فمن منع المستحق حقه فقد بخل والحق قرر قول موسى أن الله أعطى كل شئ خلقه فما بخل عليك من أعطاك خلقك ووفاك حقك فمنع ما لا يستحقه الخلق ليس بمنع بخل فبهذا القدر نجعل التفرقة بين المنعين وكذلك اسم الكاذب مما اختص به العبد ولا ينبغي أن يطلق على الحق فهو الصادق بكل وجه كما أن العبد صادق وكاذب وصادق أيضا بكل وجه ولكن نسبة الصدق إلى العبد بكل وجه معروف عندنا لعلمنا بنا ونسبتها إلى الحق مجهولة لنا فهو الصادق كما ينبغي أن يضاف إليه الصدق وقال تعالى الرحمن على العرش استوى وقال ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة فقيد نزوله بالزمان والتقييد بالزمان تقييد بالانتقال وكل ذلك مجهول النسبة ثابت الحكم متوجه كما ينبغي لجلاله وكذلك الاسم الجاهل من أسماء الكون ولا يليق بالجناب الإلهي فالإله عالم من حيث إنه موصوف بالعلم والعبد عالم من حيث إنه موصوف بالعلم وجاهل من حيث خصوص تعلق علمه ببعض الأشياء دون بعض والحق مطلق العلم عام التعلق وقد قال تعالى ونحن أقرب إليه من حبل الوريد فحدد خلاف المعقول وأشارت السوداء إن الله في السماء حين قال لها رسول الله ص أين الله وأثبت لها الايمان في إشارتها وهذا خلاف دليل العقل فقد عرف من الله ما لم نعرف ومع هذا فنقول إن الله هو العالم بنفسه وهو الصحيح فما من اسم تسمى العبد به ولم يتسم الحق به وكان في الخلق نعت نقص وسفساف خلق إلا والعقل والحق قد منع أن يطلق على الله ذلك الاسم أو ينسب إليه ذلك الخلق ومع هذا فإنه يخبر بأمور وفصول تقابل أدلة العقول فهو الفعال لما يشاء والجاعل في خلقه ما يشاء لا احتكام عليه وهو الحاكم لا يسأل عما يفعل وهم
(٢٤٢)