إني فديتهم من كل حادثة * لا يعلمون بها بالسمع والبصر اعلم أن الملائكة ثلاثة أصناف صنف مهيم لما أوجدهم تجلى لهم في اسمه الجميل فهيمهم وأفناهم عنهم فلا يعرفون نفوسهم ولا من هاموا فيه ولا ما هيمهم فهم في الحيرة سكارى وهم الذين أوجدهم الله من أينية العماء الذي ما فوقه هو أو ما تحته هو أو هم وجميع الملائكة أرواح خلقهم الله في هياكل أنوار كسائر الملائكة إلا أن هؤلاء الملائكة ليس لهم من الولاية إلا ولاية الممكنات التي ذكرناها في شرح إن تنصروا الله والصنف الثاني الملائكة المسخرة ورأسهم القلم الأعلى وهو العقل الأول سلطان عالم التدوين والتسطير وكان وجودهم مع العالم المهيم غير أنه حجبهم الله عن هذا التجلي الذي هيم أصحابهم لما أراد الله أن يهبه هذا الصنف المسخر من رتبة الإمامة في العالم وله ولاية تخصه وتخص ملائكة التسخير والصنف الثالث ملائكة التدبير وهي الأرواح المدبرة للأجسام كلها الطبيعية النورية والهبائية والفلكية والعنصرية وجميع أجسام العالم ولهؤلاء ولاية أيضا فأما ملائكة التسخير فولايتهم أعني نصرتهم للمؤمنين إذا أذنبوا وتوجهت عليهم أسماء الانتقام الإلهية وتوجهت في مقامات تلك الأسماء أسماء الغفران والعفو والتجاوز عن السيئات فتقول الملائكة ما قال الله تعالى ويستغفرون للذين آمنوا بقولهم ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما ما يزيدون على ذلك في حق المؤمن العاصي غير التائب اتكالا منهم على علم الله فيما قصدوه في ذلك الكلام أدبا مع الله سبحانه حيث إنه استحق جناب الله على أهل الله أن يغار من أجله ويدعي على من عصاه ولم يقم بأمره وما ينبغي لجلاله فإن الملائكة أهل أدب مع الله فقالوا ربنا وسعت كل شئ رحمة بقولك ورحمتي وسعت كل شئ وهؤلاء العصاة من الداخلين في عموم لفظة كل وعلما من قوله أحاط بكل شئ علما فهذا مثل قول العبد الصالح الذي أخبرنا الله بقوله إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم فتأدب مع الله في هذا القول لما عصى قومه الله تعالى ولم يتوبوا فعلم الله منه أنه تأدب مع الله وأنه عرض بالمغفرة لما علم أن رحمته سبقت غضبه غير أن نفس الملائكة أقوى في الأدب لأنهم أعلم بالله من هذا العبد وما ينبغي لجلال الله فلم يقولوا وإن تغفر لهم وإنما قالوا وسعت كل شئ رحمة وعلما فهذا يسمى تعريض تنبيه على أن الحق بهذه المثابة كما أخبر عن نفسه فقولهم رحمة فقدموا ذكر الرحمة لأنه تعالى قدمها لما ذكر عبده خضرا فقال آتيناه رحمة من عندنا قبل أن يذكر ما أعطاه ثم ذكر بعد ذلك الذي أعطاه من أجل رحمته به فقال وعلمناه من لدنا علما فلهذا قدمت الملائكة الرحمة وسكتت عن ذكر العصاة في دعائها فبين كلمة عيسى في حق قومه وبين دعاء الملائكة في حق العبيد العصاة من الأدب بون كثير لمن نظر واستبصر ولهذا قام النبي محمد ص بهذه الآية إن تعذبهم فإنهم عبادك ليلة كاملة ما زال يرددها حتى طلع الفجر إذ كانت كلمة غيره فكان يكررها حكاية وقصده معلوم في ذلك كما قيل في المثل إياك أعني فاسمعي يا جارة ولم يقم ليلة كاملة بآية قول الملائكة لأن مناسبته لعيسى أقرب ومناسبة عيسى للملائكة أقرب لأن جبريل توجه على أمه مريم في إيجاد عيسى بشرا سويا فسلك محمد ص طريقا بين طريقين في طلب المغفرة لقومه فهذا استنصارهم الله في حق المؤمنين العصاة وأما نصرتهم بالدعاء لمن تاب منهم فهو قولهم ربنا فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم فصرحوا بذكرهم لما كان هؤلاء قد قاموا في مقام القرب الإلهي بالتوبة وقرعوا بابها في رجعتهم إلى الله والملائكة حجبة الحق فطلبوا من الله المغفرة لهم لما اتصفوا بالتوبة وهذا من الأدب ثم إنهم لما عرفت الملائكة أن بين الجنة والنار منزلة متوسطة وهي الأعراف فمن كان في هذه المنزلة ما هو في النار ولا في الجنة وعلمت من لطف الله بعباده أنه يجيب دعوة الداعي إذا دعاه فقالت الملائكة بعد قولهم وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم أي لا تنزلهم في الأعراف بل أدخلهم الجنة ومن صلح الواو هنا بمعنى مع يقولون مع من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم كما قال العبد الصالح وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ولم يقل واحد منهم إنك أنت الغفور الرحيم أدبا مع الجناب الإلهي من الطائفتين فاجتمعوا بذكر هذين الإسمين في حضرة الأدب مع الله ثم زادت الملائكة في نصرتها للملائكة الموكلين بقلوب بني آدم وهم أصحاب اللمات ينصرونهم الدعاء على أعدائهم من الشياطين أصحاب اللمات الموكلين المسلطين
(٢٥٠)