الشهاد فقد ظهر بجميع العالم فكانوا أولى بهذا اللقب من غيرهم كان سهل بن عبد الله يقول في رجال الغيب الأول الرجل من يكون في فلاة من الأرض فيصلي فينصرف من صلاته فينصرف معه أمثال الجبال من الملائكة على مشاهدة منه إياهم فقلت لحاكي هذه الحكاية عن سهل الرجل من يكون وحده في الفلاة فيصلي فينصرف من صلاته بالحال الذي هو في صلاته فلا ينصرف معه أحد من الملائكة فإنهم لا يعرفون أين يذهب فهؤلاء هم عندنا رجال الغيب على الحقيقة لأنهم غابوا عنده فإن رجال الغيب قسمان في الظهور منهم رجال غيب عن الأرواح العلى ظاهرون لله لا لمخلوق رأسا ورجال غيب عن عالم الشهادة ظاهرون في العالم الأعلى فرجال الغيب أيضا أهل ظهور ولكن لا في عالم الشهادة فاعلم إن الظاهرين بأمر الله لا يرون سوى الله في الأكوان وأن الأكوان عندهم مظاهر الحق فهم أهل علانية وجهر وكل طبقة فعاشقة بمقامها تذب عنه ولهذا لا تعرف منزلة مقامها من المقامات حتى تفارقه فإذا نظرت إليه نظر الأجنبي المفارق حينئذ تعرفه فقبل أن تحصل فيه يكون معلوما لها من حيث الجملة وترى علو منصبه فإذا دخلت فيه كان ذوقا لها وشربا فيحجبها كونها فيه عن التمييز فإذا ارتقت عنه نظرت إليه بعد ذوق فكانت عارفة بقدره بين المقامات ومرتبته فيقبل كلام هذا الشخص فيه لأنه تكلم عن ذوق وكان شهوده إياه عن صحو فتقبل شهادته لذلك المقام وعليه كما قبلنا شهادة الشبلي وقوله في الحلاج ولم نقبل قول الحلاج في نفسه ولا في الشبلي لأن الحلاج سكران والشبلي صاح ومنهم رضي الله عنهم ثمانية رجال يقال لهم رجال القوة الإلهية آيتهم من كتاب الله أشداء على الكفار لهم من الأسماء الإلهية ذو القوة المتين جمعوا ما بين علم ما ينبغي أن تعلم به الذات الواجبة الوجود لنفسها من حيث هي وبين علم ما ينبغي أن يعلم به من حيث ما هي إله فقدمها عزيز في المعارف لا تأخذهم في الله لومة لائم وقد يسمون رجال القهر لهم همم فعالة في النفوس وبهذا يعرفون كان بمدينة فاس منهم رجل واحد يقال له أبو عبد الله الدقاق كان يقول ما اغتبت أحدا قط ولا اغتيب بحضرتي أحد قط ولقيت أنا منهم ببلاد الأندلس جماعة لهم أثر عجيب وكل معنى غريب وكان بعض شيوخي منهم ومن نمط هؤلاء رضي الله عنهم خمسة رجال في كل زمان أيضا لا يزيدون ولا ينقصون هم على قدم هؤلاء الثمانية في القوة غير أن فيهم لينا ليس للثمانية وهم على قدم الرسل في هذا المقام قال تعالى فقولا له قولا لينا وقال تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم فهم مع قوتهم لهم لين في بعض المواطن وأما في العزائم فهم في قوة الثمانية على السواء ويزيدون عليهم بما ذكرناه مما ليس للثمانية وقد لقينا منهم رضي الله عنهم وانتفعنا بهم ومنهم رضي الله عنهم خمسة عشر نفسا هم رجال الحنان والعطف الإلهي آيتهم من كتاب الله آية الريح السليمانية تجري بأمره رخاء حيث أصاب لهم شفقة على عباد الله مؤمنهم وكافرهم ينظرون الخلق بعين الجود والوجود لا بعين الحكم والقضاء لا يولي الله منهم قط أحدا ولاية ظاهرة من قضاء أو ملك لأن ذوقهم ومقامهم لا يحتمل القيام بأمر الخلق فهم مع الحق في الرحمة المطلقة التي قال الله فيها ورحمتي وسعت كل شئ لقيت منهم جماعة وماشيتهم على هذا القدم وانتقلت منهم إلى الخمسة التي ذكرناهم آنفا فإن مقام هؤلاء الخمسة بين رجال القوة ورجال الحنان فجمعت بين الطرفين فكانت واسطة العقد وهي الطائفة التي تصلح لهم ولاية الأحكام في الظاهر وهاتان الطائفتان رجال القوة ورجال الحنان لا يكون منهم وال أبدا أمور العباد ولا يستخلف منهم أحد جملة واحدة ومنهم رضي الله عنهم أربعة أنفس في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون آيتهم من كتاب الله تعالى الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن وآيتهم أيضا في سورة تبارك الملك الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت هم رجال الهيبة والجلال كأنما الطير منهم فوق أرؤسهم لا خوف ظلم ولكن خوف إجلال وهم الذين يمدون الأوتاد الغالب على أحوالهم الروحانية قلوبهم سماوية مجهولون في الأرض معروفون في السماء الواحد من هؤلاء الأربعة هو ممن استثنى الله تعالى في قوله ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله والثاني له العلم بما لا يتناهى وهو مقام عزيز يعلم التفصيل في المجمل وعندنا ليس في علمه مجمل والثالث له الهمة الفعالة في الإيجاد ولكن لا يوجد عنه شئ والرابع توجد عنه الأشياء وليس له إرادة فيها ولا همة متعلقة بها أطبق العالم
(١٢)